1. الرئيسية
  2. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
  3. سورة النور
  4. قوله تعالى في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله
صفحة جزء
المسألة الرابعة :

اعلم أن خروج المرأة إلى المسجد يشترط فيه عند أهل العلم شروط يرجع جميعها إلى شيء واحد ، وهو كون المرأة وقت خروجها للمسجد ليست متلبسة بما يدعو إلى الفتنة مع الأمن من الفساد .

قال النووي في شرح مسلم في الكلام على قوله - صلى الله عليه وسلم - " : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " ما نصه : هذا وما أشبهه من أحاديث الباب ظاهر في أنها لا تمنع المسجد ، ولكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث ، وهي ألا تكون متطيبة ، ولا متزينة ، ولا ذات خلاخل يسمع صوتها ، ولا ثياب فاخرة ، ولا مختلطة بالرجال ، ولا شابة ونحوها ، ممن يفتن بها ، وألا يكون في الطريق ما يخاف منه مفسدة ونحوها ، انتهى محل الغرض من كلام النووي .

قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : هذه الشروط التي ذكرها النووي وغيره منها ما هو ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنها ما لا نص فيه ، ولكنه ملحق بالنصوص لمشاركته له في علته ، وإلحاق بعضها لا يخلو من مناقشة ; كما سترى إيضاح ذلك كله إن شاء تعالى ، أما ما هو ثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - من تلك الشروط ، فهو عدم التطيب ، فشرط جواز خروج المرأة إلى المسجد ألا تكون متطيبة .

قال مسلم بن الحجاج - رحمه الله - في صحيحه : حدثنا مروان بن سعيد الأيلي ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني مخرمة ، عن أبيه عن بسر بن سعيد أن زينب الثقفية كانت تحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " : إذا شهدت إحداكن العشاء ، فلا تطيب تلك الليلة " .

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن محمد بن عجلان [ ص: 546 ] حدثني بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن بسر بن سعيد ، عن زينب امرأة عبد الله قالت : قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " : إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا " .

حدثنا يحيى بن يحيى وإسحاق بن إبراهيم ، قال يحيى : أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي فروة ، عن يزيد بن خصيفة ، عن بسر بن سعيد ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " : أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهدن معنا العشاء الآخرة " اهـ .

فهذا الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن صحابيين ، وهما : أبو هريرة ، وزينب امرأة عبد الله بن مسعود - رضي الله عن الجميع - صريح في أن المتطيبة ليس لها الخروج إلى المسجد ، ويؤيد ذلك ما رواه أبو داود في سننه : حدثنا موسى بن إسماعيل ، ثنا حماد عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تفلات " اهـ ، وقوله : وهن تفلات ، أي : غير متطيبات ، وقال النووي في شرح المهذب ، في هذا الحديث رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم ، وتفلات بفتح التاء المثناة فوق وكسر الفاء ، أي : تاركات الطيب اهـ ، ومنه قول امرئ القيس :

إذا ما الضجيع ابتزها من ثيابها


تميل عليه هونة غير متفالي



وهذا الحديث أخرجه أيضا الإمام أحمد ، وابن خزيمة ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وأخرجه ابن حبان من حديث زيد بن خالد ، قاله الشوكاني وغيره .

وإذا علمت أن هذه الأحاديث دلت على أن المتطيبة ليس لها الخروج إلى المسجد ; لأنها تحرك شهوة الرجال بريح طيبها .

فاعلم أن أهل العلم ألحقوا بالطيب ما في معناه كالزينة الظاهرة ، وصوت الخلخال والثياب الفاخرة ، والاختلاط بالرجال ، ونحو ذلك بجامع أن الجميع سبب الفتنة بتحريك شهوة الرجال ، ووجهه ظاهر كما ترى . وألحق الشافعية بذلك الشابة مطلقا ; لأن الشاب مظنة الفتنة ، وخصصوا الخروج إلى المساجد بالعجائز ، والأظهر أن الشابة إذا خرجت مستترة غير متطيبة ، ولا متلبسة بشيء آخر من أسباب الفتنة أن لها الخروج إلى المسجد لعموم النصوص المتقدمة ، والعلم عند الله تعالى .

[ ص: 547 ] المسألة الخامسة : اعلم أن صلاة النساء في بيوتهن أفضل لهن من الصلاة في المساجد ، ولو كان المسجد مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبه تعلم أن قوله - صلى الله عليه وسلم - " : صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " خاص بالرجال ، أما النساء فصلاتهن في بيوتهن خير لهن من الصلاة في الجماعة في المسجد .

قال أبو داود في سننه : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، ثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا العوام بن حوشب ، حدثني حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " : لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن " وقال النووي في شرح المهذب في هذا الحديث : وحديث ابن عمر صحيح رواه أبو داود بلفظه هذا ، بإسناد صحيح على شرط البخاري اهـ .

وهذا الحديث أخرجه أيضا الإمام أحمد ، وقال ابن حجر في فتح الباري : وقد ورد في بعض روايات هذا الحديث وغيره ، ما يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ، وذلك في رواية حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عمر بلفظ " : لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن " أخرجه أبو داود ، وصححه ابن خزيمة ، ولأحمد والطبراني من حديث أم حميد الساعدية أنها جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله إني أحب الصلاة معك ، فقال " : قد علمت ، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك ، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك ، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك ، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد الجماعة " وإسناد أحمد حسن وله شاهد من حديث ابن مسعود عند أبي داود ، ووجه كون صلاتها في الإخفاء أفضل تحقق الأمن فيه من الفتنة ، انتهى محل الغرض من كلام ابن حجر .

وحديث ابن مسعود الذي أشار له هو ما رواه أبو داود في سننه : حدثنا ابن المثنى ، أن عمرو بن عاصم حدثهم قال : ثنا همام عن قتادة ، عن مورق عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " : صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها " ، اهـ .

وقال النووي في شرح المهذب في هذا الحديث : رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم ، وقد روى أحمد عن أم سلمة عنه - صلى الله عليه وسلم - " : خير مساجد النساء قعر بيوتهن " .

[ ص: 548 ] وبما ذكرنا من النصوص تعلم أن صلاة النساء في بيوتهن أفضل لهن من صلاتهن في الجماعة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره من المساجد لثبوت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

ومما يؤكد صلاتهن في بيوتهن ما أحدثنه من دخول المسجد في ثياب قصيرة هي مظنة الفتنة ، ومزاحمتهن للرجال في أبواب المسجد عند الدخول والخروج ، وقد روى الشيخان في صحيحيهما عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : لو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى من النساء ما رأينا ، لمنعهن من المسجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها .

وقد علمت مما ذكرنا من الأحاديث أن مفهوم المخالفة في قوله تعالى : يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال الآية ، معتبر وأنه ليس مفهوم لقب ، وقد أوضحنا المفهوم المذكور بالسنة كما رأيت ، والعلم عند الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية