صفحة جزء
مسألة .

استنبط بعض العلماء من هذه الآية الكريمة أن بنت الرجل من الزنى ، لا يحرم عليه نكاحها . قال ابن العربي المالكي في هذه الآية : والنسب عبارة عن خلط الماء بين الذكر والأنثى ، على وجه الشرع ، فإن كان بمعصية كان خلقا مطلقا ، ولم يكن نسبا محققا ، ولذلك لم يدخل تحت قوله : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم [ 4 \ 23 ] بنته من الزنى ; لأنها ليست ببنت له في أصح القولين لعلمائنا ، وأصح القولين في الدين ، وإذا لم يكن نسب شرعا فلا صهر شرعا ، فلا يحرم الزنى بنت أم ، ولا أم بنت ، وما يحرم من الحلال ، لا يحرم من الحرام ; لأن الله امتن بالنسب والصهر على عباده ورفع قدرهما ، وعلق الأحكام في الحل والحرمة عليهما ، فلا يلحق الباطل بهما ، ولا يساويهما ، انتهى منه بواسطة نقل القرطبي عنه .

وقال القرطبي : اختلف الفقهاء في نكاح الرجل ابنته من زنى ، أو أخته ، أو بنت ابنه من زنى فحرم ذلك قوم ، منهم : ابن القاسم وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ، وأجاز ذلك آخرون ، منهم : عبد الملك بن الماجشون ، وهو قول الشافعي ، وقد مضى هذا في " النساء " مجودا ، انتهى منه .

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : الخلاف في هذه المسألة مشهور معروف ، وأرجح القولين دليلا فيما يظهر أن الزنى لا يحرم به حلال ، فبنته من الزنى ليست بنتا له شرعا ، وقد أجمع أهل العلم أنها لا تدخل في قوله تعالى : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين [ 4 \ 11 ] فالإجماع على أنها لا ترث ، ولا تدخل في آيات [ ص: 68 ] المواريث ، دليل صريح على أنها أجنبية منه ، وليست بنتا شرعا ، ولكن الذي يظهر لنا أنه لا ينبغي له أن يتزوجها بحال ، وذلك لأمرين : الأول : أن كونها مخلوقة من مائه ، يجعلها شبيهة شبها صوريا بابنته شرعا ، وهذا الشبه القوي بينهما ينبغي أن يزعه عن تزويجها .

الأمر الثاني : أنه لا ينبغي له أن يتلذذ بشيء سبب وجوده معصيته لخالقه جل وعلا ، فالندم على فعل الذنب الذي هو ركن من أركان التوبة ، لا يلائم التلذذ بما هو ناشئ عن نفس الذنب ، وما ذكره عن الشافعي من أنه يقول : إن البنت من الزنى لا تحرم ، هو مراد الزمخشري بقوله :

وإن شافعيا قلت قالوا بأنني أبيح نكاح البنت والبنت تحرم



التالي السابق


الخدمات العلمية