صفحة جزء
قوله تعالى : ولا يستخفنك الذين لا يوقنون . قد قدمنا في سورة " بني إسرائيل " ، في الكلام على قوله تعالى : لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا [ 17 \ 22 ] ، أن الله تعالى قد بين في بعض الآيات القرآنية أنه يخاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - بخطاب لا يريد به نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما يريد به التشريع .

وبينا أن من أصرح الآيات في ذلك قوله تعالى مخاطبا له - صلى الله عليه وسلم - : إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف الآية [ 17 \ 23 ] ، ومعلوم أن والديه قد ماتا قبل نزول : إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ، بزمن طويل ، فلا وجه البتة لاشتراط بلوغهما ، أو بلوغ أحدهما الكبر عنده ، بل المراد تشريع بر الوالدين لأمته ، بخطابه - صلى الله عليه وسلم .

واعلم أن قول من يقول : إن الخطاب في قوله : إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ، لمن يصح خطابه من المكلفين ، وأنه كقول طرفة بن العبد :

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا

. . . . . . . . . . . . . خلاف الصواب .

والدليل على ذلك قوله بعد ذكر المعطوفات ، على قوله : فلا تقل لهما أف [ 17 \ 23 ] ، ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة الآية [ 17 \ 39 ] ، ومعلوم أن قوله : ذلك مما أوحى إليك ربك خطاب له - صلى الله عليه وسلم - ، كما ترى . وذكرنا بعض الشواهد العربية على خطاب الإنسان ، مع أن المراد بالخطاب في الحقيقة غيره .

وبهذا تعلم أن مثل قوله تعالى : ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ، وقوله : لئن أشركت ليحبطن عملك [ 39 \ 65 ] ، وقوله : ولا تطع منهم آثما أو كفورا [ 76 \ 24 ] ، وقوله : لا تجعل مع الله إلها آخر [ 17 \ 22 ] ، يراد به التشريع لأمته ; [ ص: 178 ] لأنه - صلى الله عليه وسلم - معصوم من ذلك الكفر الذي نهي عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية