المسألة الحادية عشرة : اختلف العلماء فيمن 
قال لأمته : أنت علي كظهر أمي ، أو قال ذلك لأم ولده ، فقال بعض أهل العلم : لا يصح الظهار من المملوكة ، وهو مروي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر  ، 
وعبد الله بن عمرو  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب  ، 
ومجاهد ،   nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي  ، 
وربيعة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي  ، 
وأبي حنيفة  وأصحابه ، 
وأحمد    . وقال بعضهم : يصح الظهار من الأمة أم ولد كانت أو غيرها ، وهو مذهب 
مالك  ، وهو مروي أيضا عن 
الحسن  ، 
وعكرمة  ، 
والنخعي  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16705وعمرو بن دينار  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري  ، والحكم  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري  ، 
وقتادة  ، وهو رواية عن 
أحمد ،  وعن 
الحسن  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي    : إن كان يطؤها فهو ظهار ، وإلا فلا . وعن 
عطاء    : إن ظاهر من أمته ، فعليه نصف كفارة الظهار من الحرة . 
واحتج الذين قالوا : إن الأمة لا يصح الظهار منها ، بأدلة : منها أنهم زعموا أن قوله : 
يظاهرون من نسائهم ، يختص بالأزواج دون الإماء . 
ومنها أن الظهار لفظ يتعلق به تحريم الزوجة ، فلا تدخل فيه الأمة قياسا على الطلاق . 
ومنها أن الظهار كان طلاقا في الجاهلية ، فنقل حكمه وبقي محله ، ومحل الطلاق الأزواج دون الإماء .  
[ ص: 200 ] ومنها أن تحريم الأمة تحريم لمباح من ماله ، فكانت فيه كفارة يمين كتحريم سائر ماله عند من يقول : بأن تحريم المال فيه كفارة يمين ، كما تقدم في سورة " الحج " . 
قالوا : ومنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم جاريته مارية ، فلم يلزمه ظهار بل كفارة يمين ; كما قال تعالى في تحريمه إياها : 
ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك   [ 66 \ 1 ] ، ثم قال : 
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم الآية [ 66 \ 2 ] . 
واحتج القائلون بصحة الظهار من الأمة ، بدخولها في عموم قوله تعالى : 
والذين يظاهرون من نسائهم ، قالوا : وإماؤهم من نسائهم ; لأن تمتعهم بإمائهم من تمتعهم بنسائهم ، قالوا : ولأن الأمة يباح وطؤها ، كالزوجة فصح الظهار منها كالزوجة ، قالوا : وقوله تعالى : 
ياأيها النبي لم تحرم ، نزلت في تحريمه - صلى الله عليه وسلم - شرب العسل في القصة المشهورة ، لا في تحريم الجارية . 
وحجة 
الحسن   nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي  ، وحجة 
عطاء  كلتاهما واضحة ، كما تقدم . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي المالكي  في قول 
مالك  وأصحابه : بصحة 
الظهار من الأمة ، وهي مسألة عسيرة علينا ; لأن 
مالكا  يقول : إذا قال لأمته أنت علي حرام لا يلزم ، فكيف يبطل فيها صريح التحريم وتصح كنايته ؟ ولكن تدخل الأمة في عموم قوله : 
من نسائهم   ; لأنه أراد من محللاتهم . 
والمعنى فيه : أنه لفظ يتعلق بالبضع دون رفع العقد ، فصح في الأمة أصله الحلف بالله تعالى ، ا هـ منه ، بواسطة نقل 
القرطبي    . 
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : لا يبعد بمقتضى الصناعة الأصولية ، والمقرر في علوم القرآن : أن يكون هناك فرق بين تحريم الأمة وتحريم الزوجة . 
وإيضاح ذلك : أن قوله تعالى : 
لم تحرم ما أحل الله لك ، جاء في بعض الروايات الصحيحة في السنن وغيرها ، أنه نزل في تحريم النبي - صلى الله عليه وسلم - جاريته 
مارية أم إبراهيم  ، وإن كان جاء في الروايات الثابتة في الصحيحين : أنه نزل في تحريمه العسل الذي كان شربه عند بعض نسائه ، وقصة ذلك مشهورة صحيحة ; لأن المقرر في علوم القرآن أنه إذا ثبت نزول الآية في شيء معين ، ثم ثبت بسند آخر صحيح أنها نزلت في شيء آخر معين غير   
[ ص: 201 ] الأول ، وجب حملها على أنها نزلت فيهما معا ، فيكون لنزولها سببان ، كنزول آية اللعان في 
عويمر  وهلال  معا . 
وبه تعلم أن ذلك يلزمه أن يقال : إن قوله تعالى : 
ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الآية نزل في تحريمه - صلى الله عليه وسلم - العسل على نفسه ، وفي تحريمه جاريته ، وإذا علمت بذلك نزول قوله : 
لم تحرم ، في تحريم الجارية ، علمت أن القرآن دل على أن تحريم الجارية لا يحرمها ، ولا يكون ظهارا منها ، وأنه تلزم فيه كفارة يمين ; كما صح عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ومن وافقه . وقد قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : لما بين أن فيه كفارة يمين 
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة   [ 33 \ 21 ] ، ومعناه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كفر عن تحريمه جاريته كفارة يمين ; لأن الله تعالى قال : 
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ، بعد تحريمه - صلى الله عليه وسلم - جاريته المذكورة في قوله : 
لم تحرم ما أحل الله لك ، ومن قال من أهل العلم : إن من حرم جاريته لا تلزمه كفارة يمين ، وإنما يلزمه الاستغفار فقط ، فقد احتج بقوله تعالى : 
والله غفور رحيم ، بعد قوله : 
لم تحرم ، وقال : 
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حرم جاريته ، قال مع ذلك : " والله لا أعود إليها " ، وهذه اليمين هي التي نزل في شأنها : 
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ، ولم تنزل في مطلق تحريم الجارية ، واليمين المذكورة مع التحريم في قصة الجارية ، قال في " نيل الأوطار " : رواها 
 nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني  بسند صحيح عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم  التابعي المشهور ، لكنه أرسله ، اهـ . وكذلك رواه عنه 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير    . 
وقال 
ابن كثير  في " تفسيره " : إن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14559الهيثم بن كليب  رواه في مسنده بسند صحيح وساق السند المذكور عنه - رضي الله عنه - ، والمتن فيه التحريم واليمين كما ذكرنا ، وعلى ما ذكرنا من أن آية : 
لم تحرم ما أحل الله لك ، نزلت في تحريمه - صلى الله عليه وسلم - جاريته ، فالفرق بين تحريم الجارية والزوجة ظاهر ; لأن آية 
لم تحرم دلت على أن تحريم الجارية لا يحرمها ولا يكون ظهارا ، وآية 
والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة الآية ، دلت على أن تحريم الزوجة تلزم فيه كفارة الظهار المنصوص عليه في " المجادلة " ; لأن معنى : 
يظاهرون من نسائهم على جميع القراءات هو أن يقول أحدهم لامرأته : أنت علي كظهر أمي ، وهذا لا خلاف فيه . وقوله : أنت علي كظهر أمي ، معناه : أنت علي حرام ، كما تقدم إيضاحه . 
وعلى هذا فقد دلت آية " التحريم " على حكم تحريم الأمة ، وآية " المجادلة " على حكم تحريم الزوجة ، وهما حكمان متغايران ،   
[ ص: 202 ] كما ترى . ومعلوم أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    - رضي الله عنهما - لم يقل بالفرق بينهما ، بل قال : إن حكم تحريم الزوجة كحكم تحريم الجارية المنصوص في آية " التحريم " ، ونحن نقول : إن آية الظهار تدل بفحواها على أن تحريم الزوجة ظهار ; لأن " أنت علي كظهر أمي " ، و " أنت علي حرام " معناهما واحد ، كما لا يخفى . وعلى هذا الذي ذكرنا ، فلا يصح الظهار من الأمة ، وإنما يلزم في تحريمها بظهار ، أو بصريح التحريم كفارة يمين أو الاستغفار كما تقدم . وهذا أقرب لظاهر القرآن ، وإن كان كثير من العلماء على خلافه . 
وقد قدمنا أن تحريم الرجل امرأته فيه للعلماء عشرون قولا ، وسنذكرها هنا باختصار ونبين ما يظهر لنا رجحانه بالدليل منها ، إن شاء الله تعالى . 
القول الأول : هو أن تحريم الرجل امرأته لغو باطل ، لا يترتب عليه شيء . قال 
ابن القيم  في " إعلام الموقعين " : وهو إحدى الروايتين عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ، وبه قال 
مسروق  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12031وأبو سلمة بن عبد الرحمن  ، 
وعطاء  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي  ، 
وداود  ، وجميع 
أهل الظاهر  ، وأكثر أصحاب الحديث ، وهو أحد قولي المالكية ، اختاره 
 nindex.php?page=showalam&ids=12322أصبغ بن الفرج    . وفي الصحيح عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير  أنه سمع 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  يقول : إذا حرم الرجل امرأته ، فليس بشيء 
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة   [ 33 \ 21 ] ، وصح عن 
مسروق  أنه قال : ما أبالي أحرمت امرأتي أو قصعة من ثريد   . وصح عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي  في تحريم المرأة : لهو أهون علي من نعلي   . وقال 
أبو سلمة    : ما أبالي أحرمت امرأتي أو حرمت ماء النهر   . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=15698الحجاج بن منهال    : إن رجلا جعل امرأته عليه حراما ، فسأل عن ذلك 
 nindex.php?page=showalam&ids=15770حميد بن عبد الرحمن  ، فقال 
حميد    : قال الله تعالى : 
فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب   [ 94 \ 7 - 8 ] ، وأنت رجل تلعب ، فاذهب فالعب ، ا هـ منه . 
واستدل أهل هذا القول بقوله تعالى : 
ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون   [ 16 \ 116 ] ، وقوله تعالى : 
ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم   [ 5 \ 87 ] ، وعموم قوله تعالى : 
قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم   [ 6 \ 150 ] ، وعموم قوله تعالى : 
ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الآية ، وعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007135من عمل عملا ليس عليه أمرنا ، فهو رد   " ، ومعلوم أن تحريم ما أحل الله ليس من أمرنا .  
[ ص: 203 ] القول الثاني : أن التحريم ثلاث تطليقات ، قال في " إعلام الموقعين " : وبه قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب  رضي الله عنه ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12526ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى    . وقضى فيها أمير المؤمنين 
علي  رضي الله عنه بالثلاث في 
عدي بن قيس الكلابي  ، وقال : والذي نفسي بيده ، لئن مسستها قبل أن تتزوج غيرك لأرجمنك . وقال في " زاد المعاد " : وروي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14152الحكم بن عتيبة  ، ثم قال : قلت : الثابت عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر  أن في ذلك كفارة يمين ، وذكر في " الزاد " أيضا : أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم  نقل عن 
علي  الوقف في ذلك ، وحجة هذا القول بثلاث أنها لا تحرم عليه إلا بالثلاث ، فكان وقوع الثلاث من ضرورة كونها حراما عليه . 
القول الثالث : أنها حرام عليه بتحريمه إياها ، قال في " إعلام الموقعين " : وصح هذا أيضا عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  ، 
والحسن  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=15826وخلاس بن عمرو  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد  ، 
وقتادة  ، ولم يذكر هؤلاء طلاقا بل أمروه باجتنابها فقط . 
وصح ذلك أيضا عن 
علي  رضي الله عنه ، فإما أن يكون عنه روايتان ، وإما أن يكون أراد تحريم الثلاث ، وحجة هذا القول أن لفظه إنما اقتضى التحريم ، ولم يتعرض لعدد الطلاق ، فحرمت عليه بمقتضى تحريمه . 
القول الرابع : الوقف . قال في " إعلام الموقعين " : صح ذلك أيضا عن أمير المؤمنين 
علي  رضي الله عنه ، وهو قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي  ، وحجة هذا القول : أن التحريم ليس بطلاق ، وهو لا يملك تحريم الحلال ، إنما يملك إنشاء السبب الذي يحرم به ، وهو الطلاق وهذا ليس بصريح في الطلاق ، ولا هو مما ثبت له عرف الشرع في تحريم الزوجة ، فاشتبه الأمر فيه فوجب الوقف للاشتباه . 
القول الخامس : إن نوى به الطلاق فهو طلاق ، وإلا فهو يمين . قال في " الإعلام " : وهذا قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي  ، ورواية عن 
الحسن  ، ا هـ . 
وحكي هذا القول أيضا عن 
النخعي  ، 
وإسحاق  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر    . وحجة هذا القول : أن التحريم كناية في الطلاق ، فإن نواه به كان طلاقا ، وإن لم ينوه كان يمينا ; لقوله تعالى : 
ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ، إلى قوله تعالى : 
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم   . 
القول السادس : أنه إن نوى به الثلاث فثلاث ، وإن نوى واحدة فواحدة بائنة ، وإن   
[ ص: 204 ] نوى يمينا فهو يمين ، وإن لم ينو شيئا هو كذبة لا شيء فيها ، قاله 
سفيان  ، وحكاه 
النخعي  عن أصحابه ، وحجة هذا القول : أن اللفظ محتمل لما نواه من ذلك ، فيتبع نيته . 
القول السابع : مثل هذا إلا أنه إن لم ينو شيئا فهو يمين يكفرها ، وهو قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي    . وحجة هذا القول ظاهر قوله تعالى : 
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم   . 
القول الثامن : مثل هذا أيضا ، إلا أنه إن لم ينو شيئا فواحدة بائنة إعمالا للفظ التحريم ، هكذا ذكر هذا القول في " إعلام الموقعين " ، ولم يعزه لأحد . 
وقال صاحب " نيل الأوطار " : وقد حكاه 
 nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي    . 
القول التاسع : أن فيه كفارة الظهار . قال في " إعلام الموقعين " : وصح ذلك عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  أيضا ، 
وأبي قلابة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=17285ووهب بن منبه  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16542وعثمان البتي  ، وهو إحدى الروايات عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد    . وحجة هذا القول : أن الله تعالى جعل تشبيه المرأة بأمه المحرمة عليه ظهارا وجعله منكرا من القول وزورا ، فإذا كان التشبيه بالمحرمة يجعله مظاهرا ، فإذا صرح بتحريمها كان أولى بالظهار ، وهذا أقيس الأقوال وأفقهها . ويؤيده أن الله لم يجعل للمكلف التحريم والتحليل ، وإنما ذلك إليه تعالى ، وإنما جعل له مباشرة الأفعال والأقوال ، التي يترتب عليها التحريم والتحليل ، فالسبب إلى العبد وحكمه إلى الله تعالى ، فإذا قال : أنت علي كظهر أمي ، أو قال : أنت علي حرام ، فقد قال المنكر من القول والزور ، وقد كذب ، فإن الله لم يجعلها كظهر أمه ، ولا جعلها عليه حراما ، فأوجب عليه بهذا القول من المنكر والزور أغلظ الكفارتين ، وهي كفارة الظهار . 
القول العاشر : أنه تطليقة واحدة ، وهي إحدى الروايتين عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب  رضي الله عنه ، وقول 
 nindex.php?page=showalam&ids=15741حماد بن أبي سليمان  شيخ أبي حنيفة ، وحجة هذا القول : أن تطليق التحريم لا يقتضي التحريم بالثلاث ، بل يصدق بأقله والواحدة متيقنة ، فحمل اللفظ عليها ; لأنها اليقين فهو نظير التحريم بانقضاء العدة . 
القول الحادي عشر : أنه ينوي فيما أراد من ذلك ، فيكون له نيته في أصل الطلاق وعدده ، وإن نوى تحريما بغير طلاق ، فيمين مكفرة . قال 
ابن القيم    : وهو قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي    . 
وحجة هذا القول : أن اللفظ صالح لذلك كله ، فلا يتعين واحد منها إلا بالنية ، فإن نوى تحريما مجردا كان امتناعا منها بالتحريم كامتناعه باليمين ، ولا تحرم عليه في   
[ ص: 205 ] الموضعين ، ا هـ . وقد تقدم أن مذهب 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  هو القول الخامس . 
قال في " نيل الأوطار " : وهو الذي حكاه عنه في " فتح الباري " ، بل حكاه عنه 
ابن القيم  نفسه . 
القول الثاني عشر : أنه ينوي في أصل الطلاق وعدده ، إلا أنه إن نوى واحدة كانت بائنة ، وإن لم ينو الطلاق فهو مؤول ، وإن نوى الكذب فليس بشيء ، وهو قول 
أبي حنيفة  وأصحابه . 
وحجة هذا القول : احتمال اللفظ لما ذكره ، إلا أنه إن نوى واحدة كانت بائنة ، لاقتضاء التحريم للبينونة ، وهي صغرى وكبرى ، والصغرى هي المتحققة ، فاعتبرت دون الكبرى . وعنه رواية أخرى : إن نوى الكذب دين ، ولم يقبل في الحكم بل كان مؤليا ، ولا يكون ظهارا عنده ، نواه أو لم ينوه ، ولو صرح به فقال : أعني بها الظهار ، لم يكن مظاهرا ، انتهى من " إعلام الموقعين " . 
وقال 
الشوكاني  في " نيل الأوطار " ، بعد أن ذكر كلام 
ابن القيم  الذي ذكرناه آنفا ، إلى قوله : وهو قول 
أبي حنيفة  وأصحابه ، هكذا قال 
ابن القيم    . وفي " الفتح " عن الحنفية : أنه إذا نوى اثنتين فهي واحدة بائنة ، وإن لم ينو طلاقا فهي يمين ويصير مؤليا ، ا هـ . 
القول الثالث عشر : أنه يمين يكفره ما يكفر اليمين . قال 
ابن القيم  في " إعلام الموقعين " : صح ذلك عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر بن الخطاب  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس  ، 
وعائشة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر  ، 
وعكرمة  ، 
وعطاء ،  ومكحول  ، 
وقتادة  ، 
والحسن  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير  ، 
ونافع  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور  ، وخلق سواهم رضي الله عنهم . 
وحجة هذا القول ظاهر القرآن العظيم ، فإن الله تعالى ذكر فرض تحلة الأيمان عقب تحريم الحلال ، فلا بد أن يتناوله يقينا ، فلا يجوز جعل تحلة الأيمان لغير المذكور قبلها ، ويخرج المذكور عن حكم التحلة التي قصد ذكرها لأجله ، اهـ منه . 
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : الظاهر أن 
ابن القيم  أراد بكلامه هذا أن صورة سبب النزول قطعية الدخول ، وأن قوله : 
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ، نازل في تحريم الحلال المذكور في قوله تعالى : 
لم تحرم ما أحل الله لك ، وما ذكره من   
[ ص: 206 ] شمول قوله : 
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ، لقوله : 
لم تحرم ما أحل الله لك ، على سبيل اليقين . والجزم لا يخلو عندي من نظر ، لما قدمنا عن بعض أهل العلم من أن قوله : 
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم نازل في حلف النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعود لما حرم على نفسه لا في أصل التحريم ، وقد أشرنا للروايات الدالة على ذلك في أول هذا المبحث . 
القول الرابع عشر : أنه يمين مغلظة يتعين فيها عتق رقبة . قال 
ابن القيم    : وصح ذلك أيضا عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ، 
وأبي بكر  ، 
وعمر  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود  ، وجماعة من التابعين . 
وحجة هذا القول : أنه لما كان يمينا مغلظة غلظت كفارتها بتحتم العتق ، ووجه تغليظها تضمنها تحريم ما أحل الله ، وليس إلى العبد . وقول المنكر والزور وإن أراد الخبر فهو كاذب في إخباره معتد في إقسامه ، فغلظت كفارته بتحتم العتق ; كما غلظت 
كفارة الظهار به أو بصيام شهرين ، أو بإطعام ستين مسكينا . 
القول الخامس عشر : أنه طلاق ، ثم إنها إن كانت غير مدخول بها ، فهو ما نواه من الواحدة وما فوقها . وإن كانت مدخولا بها ، فثلاث . وإن نوى أقل منها ، وهو إحدى الروايتين عن 
مالك    . 
وحجة هذا القول : أن اللفظ لما اقتضى التحريم وجب أن يرتب عليه حكمه ، وغير المدخول بها تحرم بواحدة ، والمدخول بها لا تحرم إلا بالثلاث . 
وبعد : ففي مذهب 
مالك  خمسة أقوال هذا أحدها ، وهو مشهورها . 
والثاني : أنها ثلاث بكل حال نوى الثلاث أو لم ينوها ، اختاره 
عبد الملك  في مبسوطه . 
والثالث : أنها واحدة بائنة مطلقا ، حكاه 
ابن خويز منداد  رواية عن 
مالك    . 
والرابع : أنه واحدة رجعية ، وهو قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=15136عبد العزيز بن أبي سلمة    . 
والخامس : أنه ما نواه من ذلك مطلقا ، سواء قبل الدخول أو بعده ، وقد عرفت توجيه هذه الأقوال ، انتهى من " إعلام الموقعين " . 
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : المعروف أن المعتمد من هذه الأقوال عند المالكية : اثنان ، وهما القول بالثلاث وبالواحدة البائنة ، وقد جرى العمل في 
مدينة فاس  بلزوم الواحدة البائنة في التحريم . قال ناظم عمل فاس : 
وطلقة بائنة في التحريم وحلف به لعرف الإقليم 
ثم قال 
ابن القيم  في " إعلام الموقعين " : وأما تحرير مذهب 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  فإنه إن نوى به الظهار كان ظهارا ، وإن نوى التحريم كان تحريما لا يترتب عليه إلا تقدم الكفارة ، وإن نوى الطلاق كان طلاقا ، وكان ما نواه . وإن أطلق فلأصحابه فيه ثلاثة أوجه : 
أحدها : أنه صريح في إيجاب الكفارة . 
والثاني : لا يتعلق به شيء . 
والثالث : أنه في حق الأمة صريح في التحريم الموجب للكفارة ، وفي حق الحرة كناية ، قالوا : إن أصل الآية إنما ورد في الأمة ، قالوا : فلو 
قال : أنت علي حرام ، وقال : أردت بها الظهار والطلاق   . فقال 
ابن الحداد    : يقال له عين أحد الأمرين ; لأن اللفظة الواحدة لا تصلح للظهار والطلاق معا . وقيل : يلزمه ما بدأ به منهما ، قالوا : ولو ادعى رجل على رجل حقا أنكره ، فقال : الحل عليك حرام والنية نيتي لا نيتك ما لي عليك شيء ، فقال : الحل علي حرام والنية في ذلك نيتك ما لك عندي شيء ، كانت النية نية الحالف لا المحلف ; لأن النية إنما تكون ممن إليه الإيقاع ، ثم قال : وأما تحرير مذهب 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد  فهو أنه ظهار بمطلقه ، وإن لم ينوه إلا أن ينوي الطلاق أو اليمين ، فيلزمه ما نواه ، وعنه رواية ثانية أنه يمين بمطلقه ، إلا أن ينوي به الطلاق أو الظهار ، فيلزمه ما نواه . 
وعنه رواية ثالثة : أنه ظهار بكل حال ، ولو نوى به الطلاق أو اليمين لم يكن يمينا ولا طلاقا ; كما لو 
نوى الطلاق أو اليمين ، بقوله : أنت علي كظهر أمي ، فإن اللفظين صريحان في الظهار ، فعلى هذه الرواية لو وصله بقوله : أعني به الطلاق ، فهل يكون طلاقا أو ظهارا ؟ على روايتين ، إحداهما : يكون ظهارا ; كما لو قال : أنت علي كظهر أمي ، أعني به الطلاق أو التحريم ، إذ التحريم صريح في الظهار . والثانية : أنه طلاق ; لأنه قد صرح بإرادته بلفظ يحتمله ، وغايته أنه كناية فيه ، فعلى هذه الرواية ، إن قال : أعني به طلاقا طلقت واحدة ، وإن قال : أعني به الطلاق ، فهل تطلق ثلاثا أو واحدة ؟ وعلى روايتين مأخذهما هل اللام على الجنس أو العموم ، وهذا تحرير مذهبه وتقريره ، وفي المسألة مذهب آخر وراء هذا كله ، وهو أنه إن أوقع التحريم كان ظهارا ، ولو نوى به الطلاق ، وإن حلف به كان يمينا مكفرة ، وهذا اختيار 
ابن تيمية  ، وعليه يدل النص والقياس ، فإنه إذا أوقعه كان قد أتى منكرا من القول وزورا ، وكان أولى بكفارة الظهار ممن شبه امرأته بالمحرمة ، وإذا حلف به كان يمينا من الأيمان كما لو حلف بالتزام الحج والعتق والصدقة ، وهذا   
[ ص: 208 ] محض القياس والفقه ، ألا ترى أنه إذا قال : لله علي أن أعتق ، أو أحج ، أو أصوم ، لزمه . ولو قال : إن كلمت فلانا فلله علي ذلك على وجه اليمين ، فهو يمين . وكذلك لو قال : هو يهودي أو نصراني كفر بذلك ، ولو قال : إن فعل كذا فهو يهودي أو نصراني كان يمينا . وطرد هذا بل نظيره من كل وجه ، أنه إذا قال : أنت علي كظهر أمي كان ظهارا ، فلو قال : إن فعلت كذا ، فأنت علي كظهر أمي كان يمينا ، وطرد هذا أيضا إذا قال : أنت طالق ، كان طلاقا ، ولو قال : إن فعلت كذا فأنت طالق كان يمينا ، فهذه هي الأصول الصحيحة المطردة المأخوذة من الكتاب والسنة والميزان ، وبالله التوفيق . انتهى كلام 
ابن القيم    . 
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : أظهر أقوال أهل العلم عندي مع كثرتها وانتشارها : أن التحريم ظهار ، سواء كان منجزا أو معلقا ; لأن المعلق على شرط من طلاق أو ظهار يجب بوجود الشرط المعلق عليه ، ولا ينصرف إلى اليمين المكفرة على الأظهر عندي ، وهو قول أكثر أهل العلم . 
وقال 
مالك  في " الموطإ " : فقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد    : إن رجلا جعل امرأة عليه كظهر أمه إن هو تزوجها ، فأمره 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب  إن هو تزوجها ألا يقربها حتى يكفر كفارة المتظاهر ، اهـ . 
ثم قال : وحدثني عن 
مالك    : أنه بلغه أن رجلا سأل 
 nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد   nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار  ، عن رجل تظاهر من امرأة قبل أن ينكحها ، فقالا : إن نكحها فلا يمسها حتى يكفر كفارة المتظاهر ، اهـ . 
والمعروف عن جماهير أهل العلم أن 
الطلاق المعلق يقع بوقوع المعلق عليه ، وكذلك الظهار . 
وأما الأمة فالأظهر أن في تحريمها كفارة اليمين أو الاستغفار ، كما دلت عليه آية سورة " التحريم " كما تقدم إيضاحه ، والعلم عند الله تعالى .