صفحة جزء
الفرع الثالث عشر : أظهر قولي أهل العلم عندي : أنه لا يجزئ في الإطعام أقل من إطعام ستين مسكينا وهو مذهب مالك والشافعي . والمشهور من مذهب أحمد خلافا لأبي حنيفة القائل : بأنه لو أطعم مسكينا واحدا ستين يوما أجزأه ، وهو رواية عن أحمد ، وعلى هذا يكون المسكين في الآية مأولا بالمد ، والمعنى : فإطعام ستين مدا ، ولو دفعت لمسكين واحد في ستين يوما .

وإنما قلنا : إن القول بعدم إجزاء أقل من الستين هو الأظهر ; لأن قوله تعالى : مسكينا تمييز لعدد هو الستون ، فحمله على مسكين واحد خروج بالقرآن عن ظاهره المتبادر منه بغير دليل يجب الرجوع إليه ، وهو لا يصح ، ولا يخفى أن نفع ستين مسكينا أكثر فائدة من نفع مسكين واحد في ستين يوما ، لفضل الجماعة ، وتضافر قلوبهم على الدعاء للمحسن إليهم بالإطعام ، فيكون ذلك أقرب إلى الإجابة من دعاء واحد ، وستون جمع كثير من المسلمين لا يخلو غالبا من صالح مستجاب الدعوة ، فرجاء الاستجابة فيهم أقوى منه في الواحد ، كما لا يخفى . وعلى كل حال ، فقوله تعالى في محكم كتابه : فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ، لا يخفى فيه أن قوله : فإطعام ستين مصدر مضاف إلى مفعوله ، فلفظ : ستين الذي أضيف إليه المصدر هو عين المفعول به الواقع عليه الإطعام ، وهذا العدد الذي هو المفعول به للإطعام مبين بالتمييز الذي هو قوله تعالى : [ ص: 226 ] مسكينا ، وبذلك يتحقق أن الإطعام في الآية واقع على نفس العدد الذي هو ستون ، فالاقتصار به على واحد خروج بنص القرآن ، عن ظاهره المتبادر منه بلا دليل يجب الرجوع إليه كما ترى . وحمل المسكين في هذه الآية الكريمة على المد من أمثلة المالكية والشافعية في أصولهم لما يسمونه التأويل البعيد والتأويل الفاسد ، وقد أشار إلى ذلك صاحب " مراقي السعود " ، بقوله :


فجعل مسكين بمعنى المد عليه لائح سمات البعد



التالي السابق


الخدمات العلمية