قوله تعالى : ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون   . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة النفخة الأخيرة ، والصور قرن من نور ينفخ فيه الملك 
نفخة البعث ، وهي النفخة الأخيرة ، وإذا نفخها قام جميع أهل القبور من قبورهم ، أحياء إلى الحساب والجزاء . 
وقوله : 
فإذا هم من الأجداث ، جمع جدث بفتحتين ، وهو القبر ، وقوله :   
[ ص: 297 ] ينسلون ، أي : يسرعون في المشي من القبور إلى المحشر ; كما قال تعالى : 
يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون   [ 70 \ 43 ] ، وقال تعالى : 
يوم تشقق الأرض عنهم سراعا الآية [ 50 \ 44 ] ، وكقوله تعالى : 
يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداعي الآية [ 54 \ 7 ] ، وقوله : مهطعين إلى الداعي ، أي : مسرعين مادي أعناقهم على أشهر التفسيرين ، ومن إطلاق نسل بمعنى أسرع ، قوله تعالى : 
حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون   [ 21 \ 96 ] ، وقول 
لبيد    : 
عسلان الذئب أمسى قاربا ، برد الليل عليه فنسل 
وما تضمنته هذه الآية الكريمة ، من أن 
أهل القبور يقومون أحياء عند النفخة الثانية ، جاء موضحا في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى ; كقوله تعالى : 
ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون   [ 39 \ 68 ] ، وقوله تعالى : 
إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون   [ 36 \ 53 ] ، وهذه الصيحة هي النفخة الثانية ; كقوله تعالى : 
يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج   [ 50 \ 42 ] ، أي : الخروج من القبور . وقوله تعالى : 
فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة   [ 79 \ 13 - 14 ] ، والزجرة : هي النفخة الثانية . والساهرة : وجه الأرض والفلاة الواسعة ، ومنه قول 
أبي كبير الهذلي    : 
يرتدن ساهرة ، كأن جميمها     وعميمها أسداف ليل مظلم 
وقول 
 nindex.php?page=showalam&ids=185الأشعث بن قيس    : 
وساهرة يضحى السراب مجللا     لأقطارها قد جئتها متلثما 
وكقوله تعالى : 
فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون   [ 37 \ 19 ] ، وقوله تعالى : 
ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون   [ 30 \ 25 ] ، وهذه الدعوة بالنفخة الثانية . وقوله تعالى : 
يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده   [ 17 \ 52 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .