[ ص: 323 ] بسم الله الرحمن الرحيم 
سورة ص 
قوله تعالى 
ص والقرآن ذي الذكر   . قرأه الجمهور : ص بالسكون منهم القراء السبعة ، والتحقيق أن ص من الحروف المقطعة في أوائل السور كـ ( ص ) في قوله تعالى : 
المص ، وقوله تعالى : 
كهيعص   [ 19 \ 1 ] . 
وقد قدمنا الكلام مستوفى على الحروف المقطعة في أوائل السور في أول سورة هود ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا . 
وبذلك التحقيق المذكور ، تعلم أن قراءة من قرأ ص بكسر الدال غير منونة ، ومن قرأها بكسر الدال منونة ، ومن قرأها بفتح الدال ، ومن قرأها بضمها غير منونة ، كلها قراءات شاذة لا يعول عليها . 
وكذلك تفاسير بعض العلماء المبنية على تلك القراءات ، فإنها لا يعول عليها أيضا . 
كما روي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري  رحمه الله أنه قال : إن صاد بكسر الدال فعل أمر من صادى يصادي مصاداة إذا عارض ، ومنه الصدى . وهو ما يعارض الصوت في الأماكن الصلبة الخالية من الأجسام ، أي عارض بعملك القرآن وقابله به ، يعني امتثل أوامره واجتنب نواهيه واعتقد عقائده واعتبر بأمثاله واتعظ بمواعظه   . 
وعن 
الحسن  أيضا : أن ص بمعنى حادث وهو قريب من الأول   . 
وقراءة ص بكسر الدال غير منونة : مروية عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب  ، 
والحسن  وابن أبي إسحاق  وأبي السمال  وابن أبي عيلة  ونصر بن عاصم    . 
والأظهر في هذه القراءة الشاذة ، أن كسر الدال سببه التخفيف لالتقاء الساكنين وهو حرف هجاء لا فعل أمر من صادى . 
وفي رواية عن 
ابن أبي إسحاق  ، أنه قرأ ص بكسر الدال مع التنوين على أنه   
[ ص: 324 ] مجرور بحرف قسم محذوف ، وهو كما ترى ، فسقوطه ظاهر . 
وكذلك قراءة من قرأ ص بفتح الدال من غير تنوين ، فهي قراءة شاذة والتفاسير المبنية عليها ساقطة . 
كقول من قال : صاد 
محمد  قلوب الناس واستمالهم حتى آمنوا به . 
وقول من قال : هو منصوب على الإغراء . 
أي الزموا صاد ، أي هذه السورة ، وقول من قال معناه اتل ، وقول من قال : إنه منصوب بنزع الخافض ، الذي هو حرف القسم المحذوف . 
وأقرب الأقوال على هذه القراءات الشاذة ، أن الدال فتحت تخفيفا لالتقاء الساكنين ، واختير فيها الفتح إتباعا للصاد ، ولأن الفتح أخف الحركات ، وهذه القراءة المذكورة قراءة 
عيسى بن عمر  ، وتروى عن 
محبوب  عن 
أبي عمرو    . 
وكذلك قراءة من قرأ صاد بضم الدال من غير تنوين ، على أنه علم للسورة ، وأنه خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير هذه صاد وأنه منع من الصرف للعلمية والتأنيث ; لأن السورة مؤنثة لفظا . 
وهذه القراءة مروية عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري  وابن السميقع  وهارون الأعور . 
 ومن قرأ صاد بفتح الدال قرأ : ق ، ون كذلك ، وكذلك من قرأها ص بضم الدال فإنه قرأ ق : و ن بضم الفاء والنون . 
والحاصل أن جميع هذه القراءات ، وجميع هذه التفاسير المبنية عليها ، كلها ساقطة ، لا معول عليها . 
وإنما ذكرناها لأجل التنبيه على ذلك . 
ولا شك أن التحقيق هو ما قدمنا من أن ص من الحروف المقطعة في أوائل السور ، وأن القراءة التي لا يجوز العدول عنها هي قراءة الجمهور التي ذكرناها . 
وقد قال بعض العلماء : إن ص مفتاح بعض أسماء الله تعالى كالصبور والصمد . 
وقال بعضهم معناه : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يبلغ عن الله ، إلى غير ذلك من   
[ ص: 325 ] الأقوال . 
وقد ذكرنا أنا قدمنا الكلام على ذلك مستوفى في أول سورة هود . 
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : 
والقرآن ذي الذكر ، قد قدمنا أن أصل القرآن مصدر ، زيد فيه الألف والنون . كما زيدتا في الطغيان ، والرجحان ، والكفران ، والخسران ، وأن هذا المصدر أريد به الوصف . 
وأكثر أهل العلم ، يقولون : إن هذا الوصف المعبر عنه بالمصدر هو اسم المفعول . 
وعليه فالقرآن بمعنى المقروء من قول العرب : قرأت الشيء إذا أظهرته وأبرزته ، ومنه قرأت الناقة السلا والجنين إذا أظهرته وأبرزته من بطنها ، ومنه قول 
عمرو بن كلثوم  في معلقته : 
تريك إذا دخلت على خلاء وقد أمنت عيون الكاشحينا     ذراعي عيطل أدماء بكر 
هجان اللون لم تقرأ جنينا 
على إحدى الروايتين في البيت . 
ومعنى القرآن على هذا المقروء الذي يظهره القارئ ، ويبرزه من فيه ، بعباراته الواضحة . 
وقال بعض أهل العلم : إن الوصف المعبر عنه بالمصدر ، هو اسم الفاعل . 
وعليه فالقرآن بمعنى القارئ ، وهو اسم فاعل قرأت ، بمعنى جمعت . 
ومنه قول العرب : قرأت الماء في الحوض أي جمعته فيه . 
وعلى هذا فالقرآن بمعنى القارئ أي الجامع لأن الله جمع فيه جميع ما في الكتب المنزلة . 
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : 
ذي الذكر فيه وجهان من التفسير معروفان عند العلماء . 
أحدهما : أن الذكر بمعنى الشرف ، والعرب تقول فلان مذكور يعنون له ذكر أي شرف .  
[ ص: 326 ] ومنه قوله تعالى : 
وإنه لذكر لك ولقومك   [ 43 \ 44 ] أي شرف لكم على أحد القولين . 
الوجه الثاني : أن الذكر اسم مصدر بمعنى التذكير ; لأن القرآن العظيم فيه التذكير والمواعظ ، وهذا قول الجمهور واختاره 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير    .