قوله تعالى : 
فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ، لم يبين هنا هذا العذاب الذي على المحصنات وهن الحرائر الذي نصفه على الإماء ، ولكنه بين في موضع آخر أنه جلد مائة بقوله : 
الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة   [ 24 \ 2 ] ، فيعلم منه أن على الأمة الزانية خمسين جلدة ويلحق بها 
العبد الزاني فيجلد خمسين ، فعموم الزانية مخصوص بنص قوله تعالى : 
فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب   [ 4 \ 25 ] ، وعموم الزاني مخصوص بالقياس على المنصوص ; لأنه لا فارق البتة بين الحرة والأمة إلا الرق ، فعلم أنه سبب تشطير الجلد فأجرى في العبد لاتصافه بالرق الذي هو مناط تشطير الجلد ، وهذه الآية عند الأصوليين من أمثلة تخصيص عموم النص بالقياس ، بناء على أن نوع تنقيح المناط المعروف بإلغاء الفارق يسمى قياسا ، والخلاف في كونه قياسا معروف في الأصول . أما الرجم فمعلوم أنه لا يتشطر ، فلم يدخل في المراد بالآية . 
تنبيه 
قد علمت مما تقدم أن التحقيق في 
معنى أحصن أن المراد به تزوجن ، وذلك هو   
[ ص: 240 ] معناه على كلتا القراءتين قراءته بالبناة للفاعل والمفعول ، خلافا لما اختاره 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير  من أن معنى قراءة أحصن بفتح الهمزة والصاد مبنيا للفاعل أسلمن ، وأن معنى أحصن بضم الهمزة وكسر الصاد مبنيا للمفعول زوجن ، وعليه فيفهم من مفهوم الشرط في قوله : 
فإذا أحصن   [ 4 \ 25 ] أن 
الأمة التي لم تتزوج لا حد عليها إذا زنت   ; لأنه تعالى علق حدها في الآية بالإحصان ، وتمسك بمفهوم هذه الآية 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس  ، 
وعطاء  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبو عبيد القاسم بن سلام  ، 
وداود بن علي  في رواية فقالوا : لا حد على مملوكة حتى تتزوج ، والجواب عن هذا - والله أعلم - أن مفهوم هذه الآية فيه إجمال وقد بينته السنة الصحيحة ، وإيضاحه أن تعليق جلد الخمسين المذكور في الآية على إحصان الأمة ، يفهم منه أن الأمة التي لم تحصن ليست كذلك فقط ، فيحتمل أنها لا تجلد ، ويحتمل أنها تجلد أكثر من ذلك أو أقل أو ترجم إلى غير ذلك من المحتملات ، ولكن السنة الصحيحة دلت على أن غير المحصنة من الإماء كذلك ، لا فرق بينها وبين المحصنة ، والحكمة في التعبير بخصوص المحصنة دفع توهم أنها ترجم كالحرة ، فقد أخرج الشيخان في " صحيحيهما " عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  ، 
وزيد بن خالد الجهني    - رضي الله عنهما - قالا : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007250سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الأمة إذا زنت ، ولم تحصن قال : " إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير   " . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب    : لا أدري أبعد الثالثة ، أو الرابعة ، وحمل الجلد في الحديث على التأديب غير ظاهر ، لا سيما وفي بعض الروايات التصريح بالحد ، فمفهوم هذه الآية هو بعينه الذي سئل عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأجاب فيه بالأمر بالجلد في هذا الحديث المتفق عليه ، والظاهر أن السائل ما سأله إلا لأنه أشكل عليه مفهوم هذه الآية فالحديث نص في محل النزاع ، ولو كان جلد غير المحصنة أكثر أو أقل من جلد المحصنة لبينه صلى الله عليه وسلم . 
وبهذا تعلم أن الأقوال المخالفة لهذا لا يعول عليها ، كقول 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ومن وافقه المتقدم آنفا ، وكالقول بأن غير المحصنة تجلد مائة ، وهو المشهور عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15858داود بن علي الظاهري  ، ولا يخفى بعده وكالقول بأن 
الأمة المحصنة ترجم وغير المحصنة تجلد خمسين ، وهو قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور  ، ولا يخفى شدة بعده والعلم عند الله تعالى .