قوله - تعالى - : 
فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات   . الصرصر : وزنه بالميزان الصرفي " فعفل " ، وفي معنى الصرصر لعلماء التفسير وجهان معروفان . 
أحدهما : أن الريح الصرصر هي الريح العاصفة الشديدة الهبوب التي يسمع لهبوبها صوت شديد ، وعلى هذا ; فالصرصر من الصرة التي هي الصيحة المزعجة . 
ومنه قوله - تعالى - 
فأقبلت امرأته في صرة أي في صيحة ، ومن هذا المعنى صرير الباب والقلم ، أي صوتهما . 
الوجه الثاني : أن الصرصر من الصر الذي هو البرد الشديد المحرق ، ومنه على أصح التفسيرين قوله - تعالى - : 
كمثل ريح فيها صر الآية [ 3 \ 117 ] ، أي فيها برد شديد محرق ، ومنه قول 
حاتم الطائي    : 
أوقد فإن الليل ليل قر والريح يا واقد ريح صر     عل يرى نارك من يمر 
إن جلبت ضيفا فأنت حر 
 [ ص: 17 ] فقوله : ريح صر ، أي باردة شديدة البرد . 
والأظهر أن كلا القولين صحيح ، وأن الريح المذكورة جامعة بين الأمرين ، فهي عاصفة شديدة الهبوب ، باردة شديدة البرد . 
وما ذكره - جل وعلا - من إهلاكه عادا بهذه الريح الصرصر ، في تلك الأيام النحسات - أي المشئومات النكدات; لأن النحس ضد السعد ، وهو الشؤم - جاء موضحا في آيات من كتاب الله . 
وقد بين - تعالى - في بعضها عدد الأيام والليالي التي أرسل عليهم الريح فيها ، كقوله - تعالى - : 
وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية   [ 69 \ 6 - 8 ] ، وقوله - تعالى - : 
وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم   [ 51 \ 41 - 42 ] ، وقوله - تعالى - : 
إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر   [ 54 \ 19 - 20 ] ، وقوله - تعالى - : 
بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها الآية [ 46 \ 24 - 25 ] . 
وهذه 
الريح الصرصر هي المراد بصاعقة 
عاد  في قوله - تعالى - : 
فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد الآية [ 41 \ 13 ] . 
وقرأ هذا الحرف 
نافع  ، 
وابن كثير  ، 
وأبو عمر    ( نحسات ) بسكون الحاء; وعليه فالنحس وصف أو مصدر ، نزل منزلة الوصف . 
وقرأه 
ابن عامر  ، 
وعاصم  ، 
وحمزة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي    ( نحسات ) بكسر الحاء ، ووجهه ظاهر . 
قد قدمنا أن معنى النحسات المشئومات النكدات . 
وقال صاحب الدر المنثور : وأخرج 
الطستي  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    - رضي الله عنهما - أن 
نافع بن الأزرق  قال له : أخبرني عن قوله - عز وجل - : 
في يوم نحس   [ 54 \ 19 ] . قال :   
[ ص: 18 ] النحس البلاء والشدة . قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت 
زهير بن أبي سلمى  يقول : 
سواء عليه أي يوم أتيته     أساعة نحس تتقي أم بأسعد 
وتفسير النحس بالبلاء والشدة تفسير بالمعنى ; لأن 
الشؤم بلاء وشدة ، ومقابلة زهير النحس بالأسعد في بيته يوضح ذلك ، وهو معلوم . 
ويزعم بعض أهل العلم أنها من آخر شوال ، وأن أولها يوم الأربعاء ، وآخرها يوم الأربعاء ، ولا دليل على شيء من ذلك . 
وما يذكره بعض أهل العلم من أن يوم النحس المستمر هو يوم الأربعاء الأخير من الشهر ، أو يوم الأربعاء مطلقا ، حتى إن بعض المنتسبين لطلب العلم وكثيرا من العوام صاروا يتشاءمون بيوم الأربعاء الأخير من كل شهر ، حتى إنهم لا يقدمون على السفر والتزوج ونحو ذلك فيه ، ظانين أنه يوم نحس وشؤم ، وأن نحسه مستمر على جميع الخلق في جميع الزمن - لا أصل له ولا معول عليه ، ولا يلتفت إليه من عنده علم; لأن نحس ذلك اليوم مستمر على عاد فقط الذين أهلكهم الله فيه ، فاتصل لهم عذاب البرزخ والآخرة بعذاب الدنيا ، فصار ذلك الشؤم مستمرا عليهم استمرارا لا انقطاع له . 
أما غير 
عاد  فليس مؤاخذا بذنب 
عاد    ; لأنه لا تزر وازرة وزر أخرى . 
وقد أردنا هنا أن نذكر بعض الروايات التي اغتر بها من ظن استمرار نحس ذلك اليوم ; لنبين أنها لا معول عليها . 
قال صاحب الدر المنثور : وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15916زر بن حبيش  في يوم نحس مستمر قال : يوم الأربعاء   . 
وأخرج 
ابن المنذر  وابن مردويه  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009379قال لي جبريل    : اقض باليمين مع الشاهد . وقال : يوم الأربعاء يوم نحس مستمر   " . 
وأخرج 
ابن مردويه  عن 
علي  قال : " 
نزل جبريل  على النبي - صلى الله عليه وسلم - باليمين مع الشاهد ، والحجامة ، ويوم الأربعاء يوم نحس مستمر   " .  
[ ص: 19 ] وأخرج 
ابن مردويه  عن 
عائشة  قالت : 
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " يوم نحس يوم الأربعاء   " . 
وأخرج 
ابن مردويه  عن 
أنس  قال : " 
سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأيام ، وسئل عن يوم الأربعاء قال : يوم نحس . قالوا كيف ذاك يا رسول الله ؟ قال : أغرق فيه الله فرعون وقومه ، وأهلك عادا وثمود   " . 
وأخرج 
 nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع  في الغرر ، 
وابن مردويه  والخطيب  بسند ضعيف عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " 
آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر   " . 
فهذه الروايات وأمثالها لا تدل على شؤم يوم الأربعاء على من لم يكفر بالله ولم يعصه; لأن أغلبها ضعيف ، وما صح معناه منها فالمراد بنحسه شؤمه على أولئك الكفرة العصاة الذين أهلكهم الله فيه بسبب كفرهم ومعاصيهم . 
فالحاصل أن النحس والشؤم إنما منشؤه وسببه الكفر والمعاصي . 
أما من كان متقيا لله مطيعا له في يوم الأربعاء المذكور - فلا نحس ولا شؤم فيه عليه . فمن أراد أن يعرف النحس والشؤم والنكد والبلاء والشقاء على الحقيقة ، فليتحقق أن ذلك كله في معصية الله وعدم امتثال أمره ، والعلم عند الله - تعالى - .