صفحة جزء
قوله - تعالى - : ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا .

قوله - تعالى - في هذه الآية الكريمة : ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان - يبين الله - جل وعلا - فيه منته على هذا النبي الكريم ، بأنه علمه هذا القرآن العظيم ولم يكن يعلمه قبل ذلك ، وعلمه تفاصيل دين الإسلام ولم يكن يعلمها قبل ذلك .

[ ص: 79 ] فقوله : ( ما كنت تدري ما الكتاب ) أي ما كنت تعلم ما هو هذا الكتاب الذي هو القرآن العظيم ، حتى علمتكه ، وما كنت تدري ما الإيمان الذي هو تفاصيل هذا الدين الإسلامي ، حتى علمتكه .

ومعلوم أن الحق الذي لا شك فيه الذي هو مذهب أهل السنة والجماعة - أن الإيمان شامل للقول والعمل مع الاعتقاد .

وذلك ثابت في أحاديث صحيحة كثيرة ، منها حديث وفد عبد القيس المشهور ، ومنها حديث : " من قام رمضان إيمانا واحتسابا . . . " الحديث ، فسمى فيه قيام رمضان إيمانا ، وحديث " الإيمان بضع وسبعون شعبة " ، وفي بعض رواياته " بضع وستون شعبة ، أعلاها شهادة ألا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق " .

والأحاديث بمثل ذلك كثيرة ، ويكفي في ذلك ما أورده البيهقي في شعب الإيمان ، فهو - صلوات الله وسلامه عليه - ما كان يعرف تفاصيل الصلوات المكتوبة وأوقاتها ، ولا صوم رمضان ، وما يجوز فيه وما لا يجوز ، ولم يكن يعرف تفاصيل الزكاة ولا ما تجب فيه ولا قدر النصاب وقدر الواجب فيه ، ولا تفاصيل الحج ونحو ذلك ، وهذا هو المراد بقوله - تعالى - : ولا الإيمان .

وما ذكره هنا من أنه لم يكن يعلم هذه الأمور حتى علمه إياها بأن أوحى إليه هذا النور العظيم الذي هو كتاب الله - جاء في غير هذا الموضع ، كقوله - تعالى - : وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم الآية [ 4 \ 113 ] . وقوله - جل وعلا - : نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين [ 12 \ 3 ] .

فقوله في آية " يوسف " هذه : وإن كنت من قبله لمن الغافلين ، كقوله هنا : ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ، وقوله - تعالى - : ووجدك ضالا فهدى [ 93 \ 7 ] على أصح التفسيرات كما قدمناه في سورة " الشعراء " في الكلام على قوله - تعالى - : قال فعلتها إذا وأنا من الضالين [ 26 \ 20 ] . إلى غير ذلك من الآيات .

وقوله - تعالى - في هذه الآية الكريمة : ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء ، الضمير في قوله : ( جعلناه ) راجع إلى القرآن العظيم المذكور في قوله : روحا من أمرنا . [ ص: 80 ] وقوله : ما كنت تدري ما الكتاب ، أي ولكن جعلنا هذا القرآن العظيم نورا نهدي به من نشاء هدايته من عبادنا .

وسمي القرآن نورا ; لأنه يضيء الحق ويزيل ظلمات الجهل والشك والشرك .

وما ذكره هنا من أن هذا القرآن نور - جاء موضحا في آيات أخر ، كقوله - تعالى - : ياأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا [ 4 \ 174 ] .

وقوله - تعالى - : واتبعوا النور الذي أنزل معه [ 7 \ 157 ] . وقوله - تعالى - : قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم [ 5 \ 15 - 16 ] . وقوله - تعالى - : فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا [ 64 \ 8 ] .

وما دلت عليه هذه الآيات الكريمة من كون هذا القرآن نورا - يدل على أنه هو الذي يكشف ظلمات الجهل ، ويظهر في ضوئه الحق ، ويتميز عن الباطل ، ويميز به بين الهدى والضلال والحسن والقبيح .

فيجب على كل مسلم أن يستضيء بنوره ، فيعتقد عقائده ، ويحل حلاله ، ويحرم حرامه ، ويمتثل أوامره ، ويجتنب ما نهى عنه ، ويعتبر بقصصه وأمثاله .

والسنة كلها داخلة في العمل به ، لقوله - تعالى - : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [ 59 \ 7 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية