صفحة جزء
تنبيه

[ فإن قيل ] : ذكرتم أن ظاهر القرآن يدل على دخول أولاد البنات في لفظ البنين ، والشاعر يقول في خلاف ذلك :

بنونا بنوا أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد



وكثير من أهل الفقه يذكرون البيت المذكور على سبيل التسليم له ، قالوا : ومما يوضح صدقه أنهم ينسبون إلى رجال آخرين ، ربما كانوا أعداء لأهل أمهاتهم ، وكثيرا ما يتبع الولد أباه وعصبته في عداوة أخواله وبغضهم ، كما هو معلوم .

[ فالجواب ] أن الواحد بالشخص له جهتان ، فمعنى لفظ الابن له جهة خاصة هي معنى كونه خلق من ماء هذا الرجل على وجه يلحق فيه نسبه به ، وهذا المعنى منفي عن والد أمه ، فلا يقال له : ابن - بهذا الاعتبار وثابت لأبيه الذي خلق من مائه ، وله جهة أخرى هي كونه خارجا في الجملة من هذا الشخص ، سواء كان بالمباشرة ، أو بواسطة ابنه أو بنته وإن سفل ، فالبنوة بهذا المعنى ثابتة لولد البنت ، وهذا المعنى هو الذي عناه - صلى الله عليه وسلم - في قوله في الحسن بن علي - رضي الله عنهما - : " وإن ابني هذا سيد " الحديث ، وهو المراد في الآيات القرآنية ، كقوله - تعالى - : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم ] ( فالجواب ) أن الواحد بالشخص له جهتان ، فمعنى لفظ الابن له جهة خاصة هي معنى كونه خلق من ماء هذا الرجل على وجه يلحق فيه نسبه به ، وهذا المعنى منفي عن والد أمه ، فلا يقال له : ابن - بهذا الاعتبار وثابت لأبيه الذي خلق من مائه ، وله جهة أخرى هي كونه خارجا في الجملة من هذا الشخص ، سواء كان بالمباشرة ، أو بواسطة ابنه أو بنته وإن سفل ، فالبنوة بهذا المعنى ثابتة لولد البنت ، وهذا المعنى هو الذي عناه - صلى الله عليه وسلم - في قوله في الحسن بن علي - رضي الله عنهما - : " وإن ابني هذا سيد " الحديث ، وهو المراد في الآيات القرآنية ، كقوله - تعالى - : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم [ 4 \ 23 ] . وقوله - تعالى - : وبنات الأخ وبنات الأخت [ 4 \ 23 ] . وكقوله - تعالى - : [ ص: 108 ] لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن الآية [ 33 \ 55 ] .

فلفظ البنات والأبناء في جميع الآيات المذكورة شامل لجميع أولاد البنين والبنات وإن سفلوا ، وإنما شملهم من الجهة المذكورة بالاعتبار المذكور ، وهو إطلاق لفظ الابن على كل من خرج من الشخص في الجملة ، ولو بواسطة بناته .

وأما البيت المذكور فالمراد به الجهة الأولى والاعتبار الأول .

فإن بني البنات ليسوا أبناء لآباء أمهاتهم من تلك الجهة ، ولا بذلك الاعتبار ; لأنهم لم يخلقوا من مائهم ، وإنما خلقوا من ماء رجال آخرين ، ربما كانوا أباعد ، وربما كانوا أعداء .

فصح بهذا الاعتبار نفي البنوة عن ابن البنت .

وصح بالاعتبار الأول إثبات البنوة له ، ولا تناقض مع انفكاك الجهة .

وإذا عرفت معنى الجهتين المذكورتين وأنه بالنظر إلى إحداهما تثبت البنوة لابن البنت ، وبالنظر إلى الأخرى تنتفي عنه .

فاعلم أن قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن ابني هذا سيد " ، وقوله - تعالى - : وبنات الأخ وبنات الأخت [ 4 \ 23 ] . ونحوها من الآيات ينزل على إحدى الجهتين .

وقوله - تعالى - : ما كان محمد أبا أحد من رجالكم [ 33 \ 40 ] - يتنزل على الجهة الأخرى . وتلك الجهة هي التي يعني الشاعر بقوله : وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد

ويزيد ذلك إيضاحا أن قبائل العرب قد تكون بينهم حروب ومقاتلات ، فيكون ذلك القتال بين أعمام الرجل وأخواله ، فيكون مع عصبته دائما على أخواله ، كما في البيت المذكور .

وقد يكون الرجل منهم في أخواله فيعاملونه معاملة دون معاملتهم لأبنائهم .

كما أوضح ذلك غسان بن وعلة في شعره حيث يقول :

إذا كنت في سعد وأمك منهم شطيرا     فلا يغررك خالك من سعد
[ ص: 109 ] فإن ابن أخت القوم مصغي إناؤه     إذا لم يزاحم خاله بأب جلد



فقوله : مصغي إناؤه من الإصغاء وهو الإمالة ; لأن الإناء إذا أميل ولم يترك معتدلا لم يتسع إلا للقليل ، فهو كناية عن نقص نصيبه فيهم وقلته .

وعلى الجهتين المذكورتين يتنزل اختلاف الصحابة في ميراث الجد والإخوة .

فمن رأى منهم أنه أب يحجب الإخوة ، فقد راعى في الجد إحدى الجهتين .

ومن رأى منهم أنه ليس بأب وأنه لا يحجب الإخوة ، فقد لاحظ الجهة الأخرى .

ولم نطل الكلام هنا في جميع الألفاظ المذكورة التي هي أحد عشر لفظا خوف الإطالة ، ولأننا لم نجد نصوصا من الوحي تحدد شيئا منها تحديدا دقيقا .

ومعلوم أن لفظ القوم منها قد دل القرآن على أنه يختص بالذكور دون الإناث .

وأن الإناث قد يدخلن فيه بحكم التبع إذا اقترن بما يدل على ذلك .

لأن الله - تعالى - قال : لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء الآية [ 49 \ 11 ] . فعطفه النساء على القوم يدل على عدم دخولهن في لفظ القوم .

ونظيره من كلام العرب قول زهير :

وما أدري وسوف إخال أدري     أقوم آل حصن أم نساء



وأما دخول النساء في القوم بحكم التبع عند الاقتران بما يدل على ذلك - فقد بينه قوله - تعالى - في ملكةسبإ : وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين [ 27 \ 43 ] .

وأما الموالي فقد دل القرآن واللغة على أن المولى يطلق على كل من له سبب يوالي ويوالى به .

ولذا أطلق على الله أنه مولى المؤمنين ; لأنهم يوالونه بالطاعة ويواليهم بالجزاء .

ونفى ولاية الطاعة عن الكافرين في قوله - تعالى - : ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم [ 47 \ 11 ] .

[ ص: 110 ] وأثبت له عليهم ولاية الملك والقهر في قوله - تعالى - : وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون [ 10 ] . كما أثبت لهم ولاية النار في قوله : مأواكم النار هي مولاكم الآية [ 57 \ 15 ] .

وأطلق - تعالى - اسم الموالي على العصبة في قوله - تعالى - : ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون [ 4 \ 33 ] .

وأطلق اسم المولى على الأقارب ونحوهم في قوله - تعالى - : يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا [ 44 \ 41 ] .

ويكثر في كلام العرب إطلاق الموالي على العصبة وابن العم ، ومنه قول الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب : مهلا بني عمنا مهلا موالينا لا تظهرن لنا ما كان مدفونا

وقول طرفة بن العبد :

وأعلم علما ليس بالظن أنه     إذا ذل مولى المرء فهو ذليل



والحاصل أن من قال : هذا وقف ، أو صدقة على قومي ، أو موالي - أنه إن كان هناك عرف خاص ، وجب اتباعه في ذلك ، وإن لم يكن هناك عرف فلا نعلم نصا من كتاب ولا سنة يحدد ذلك تحديدا دقيقا .

وكلام أهل العلم فيه معروف في محاله .

والعلم عند الله - تعالى - .

التالي السابق


الخدمات العلمية