صفحة جزء
مسألة

دلت هذه الآيات الكريمة المذكورة هنا ، كقوله - تعالى - : نحن قسمنا بينهم معيشتهم الآية ، وقوله : والله فضل بعضكم على بعض في الرزق الآية [ 16 \ 71 ] ونحو ذلك من الآيات - على أن تفاوت الناس في الأرزاق والحظوظ سنة من سنن الله السماوية الكونية القدرية ، لا يستطيع أحد من أهل الأرض البتة تبديلها ولا تحويلها ، بوجه من الوجوه فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا [ 35 \ 43 ] .

وبذلك تحقق أن ما يتذرع به الآن الملاحدة المنكرون لوجود الله ولجميع النبوات والرسائل السماوية - إلى ابتزاز ثروات الناس ، ونزع ملكهم الخاص عن أملاكهم ، بدعوى المساواة بين الناس في معايشهم - أمر باطل لا يمكن بحال من الأحوال .

مع أنهم لا يقصدون ذلك الذي يزعمون ، وإنما يقصدون استئثارهم بأملاك جميع الناس ، ليتمتعوا بها ويتصرفوا فيها كيف شاءوا ، تحت ستار كثير من أنواع الكذب والغرور والخداع ، كما يتحققه كل عاقل مطلع على سيرتهم وأحوالهم مع المجتمع في بلادهم .

[ ص: 115 ] فالطغمة القليلة الحاكمة ومن ينضم إليها - هم المتمتعون بجميع خيرات البلاد ، وغيرهم من عامة الشعب محرومون من كل خير ، مظلومون في كل شيء ، حتى ما كسبوه بأيديهم ، يعلفون ببطاقة كما تعلف البغال والحمير .

وقد علم الله - جل وعلا - في سابق علمه أنه يأتي ناس يغتصبون أموال الناس بدعوى أن هذا فقير وهذا غني ، وقد نهى - جل وعلا - عن اتباع الهوى بتلك الدعوى ، وأوعد من لم ينته عن ذلك ، بقوله - تعالى - : إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا [ 4 \ 135 ] .

وقوله : فإن الله كان بما تعملون خبيرا فيه وعيد شديد لمن فعل ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية