صفحة جزء
[ ص: 163 ] تنبيه

اعلم أن ما قاله ابن جرير وغير واحد من أن القول بأن ( إن ) نافية - يلزمه إيهام المحذور الذي لا يجوز في حق الله .

قالوا : لأنه إن كان المعنى : ما كان لله ولد ; فإنه لا يدل على نفي الولد إلا في الماضي ، فللكفار أن يقولوا : إذا صدقت ، لم يكن له في الماضي ولد . ولكن الولد طرأ عليه بعد ذلك لما صاهر الجن ، وولدت له بناته التي هي الملائكة .

وإن هذا المحذور يمنع من الحمل على النفي لا شك في عدم صحته ; لدلالة الآيات القرآنية بكثرة على أن هذا الإيهام لا أثر له ولو كان له أثر لما كان الله يمدح نفسه بالثناء عليه بلفظة ( كان ) الدالة على خصوص الزمن الماضي في نحو قوله - تعالى - : وكان الله عزيزا حكيما [ 4 \ 158 ] . وكان الله عليما حكيما [ 4 \ 17 ] . وكان الله غفورا رحيما [ 4 \ 96 ] . وكان الله على كل شيء قديرا [ 33 \ 27 ] . إن الله كان عليا كبيرا [ 4 \ 34 ] . إلى غير ذلك من الآيات التي يصعب حصرها .

فإن معنى كل تلك الآيات أنه كان ولم يزل .

فلو كان الكفار يقولون ذلك الذي زعموه الذي هو قولهم : صدقت ، ما كان له ولد في الماضي ، ولكنه طرأ له - لقالوا مثله في الآيات التي ذكرنا .

كأن يقولوا : كان عليما حكيما [ 4 \ 11 ] في الماضي ، ولكنه طرأ عليه عدم ذلك . وهكذا في جميع الآيات المذكورة ونحوها .

وأيضا فإن المحذور الذي زعموه لم يمنع من إطلاق نفي الكون الماضي في قوله - تعالى - : وما كان ربك نسيا [ 19 \ 64 ] . وقوله : وما كنت متخذ المضلين عضدا [ 18 \ 51 ] . وقوله : وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون [ 28 \ 59 ] . والآيات بمثل ذلك كثيرة .

ومن أوضحها في محل النزاع قوله - تعالى - : وما كان معه من إله الآية [ 23 \ 91 ] .

ولم يمنع من نفي القرآن للولد في الزمن الماضي في قوله - تعالى - : ما اتخذ الله من ولد [ 23 \ 91 ] [ ص: 164 ] فإن الكفار لم يقولوا يوما ما : صدقت ، ما اتخذه في الماضي ، ولكنه طرأ عليه اتخاذه .

وكذلك في قوله : ولم يتخذ ولدا [ 17 \ 111 ] . وقوله : لم يلد [ 112 \ 3 ] ; لأن ( لم ) تنقل المضارع إلى معنى الماضي .

والكفار لم يقولوا يوما : صدقت ، لم يتخذ ولدا في الماضي ، ولكنه طرأ عليه اتخاذه ، ولم يقولوا : لم يلد في الماضي ، ولكنه ولد أخيرا .

والحاصل أن الكفار لم يقروا أن الله منزه عن الولد لا في الماضي ولا في الحال ، ولا في الاستقبال .

ومعلوم أن الولادة المزعومة حدث متحدد .

وبذلك تعلم أن ما زعموه من إيهام المحذور في كون ( إن ) في الآية نافية - لا أساس له ولا معول عليه ، وأن ما ادعوه من كونها شرطية ليس لها معنى في اللغة العربية ، إلا المعنى المحذور الذي لا يجوز في حق الله بحال .

واعلم أن كلام الفخر الرازي في هذه الآية الكريمة الذي يقتضي إمكان صحة الربط بين طرفيها على أنها شرطية لا شك في غلطه فيه .

وأما إبطاله لقول من قال : إن المعنى : إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول العابدين له والمكذبين لكم في ذلك ، فهو إبطال صحيح ، وكلامه فيه في غاية الحسن والدقة ، وهو يقتضي إبطاله بنفسه ، لجميع ما كان يقرره في الآية الكريمة .

والحاصل أن كون معنى ( إن ) في الآية الكريمة هو النفي لا إشكال فيه ، ولا محذور ولا إيهام ، وأن الآيات القرآنية تشهد له لكثرة الآيات المطابقة لهذا المعنى في القرآن .

وأما كون معنى الآية الشرط والجزاء فلا يصح له معنى غير محذور في اللغة ، وليس له في كتاب الله نظير ، لإجماع أهل اللسان العربي على اختلاف المعنى في التعليق بإن والتعليق بلو .

لأن التعليق بـ ( لو ) يدل على عدم الشرط ، وعدم الشرط استلزم عدم المشروط بخلاف ( إن ) .

[ ص: 165 ] فالتعليق بها يدل على الشك في وجود الشرط بلا نزاع .

وما خرج عن ذلك من التعليق بها مع العلم بوجود الشرط أو العلم بنفيه ، فلأسباب أخر ، وأدلة خارجة ، ولا يجوز حملها على أحد الأمرين المذكورين ، إلا بدليل منفصل كما أوضحناه في غير هذا الموضع .

التالي السابق


الخدمات العلمية