قوله - تعالى - : 
فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون   . 
قرأ هذا الحرف 
ابن كثير  ، 
وأبو عمرو  ، 
وعاصم  ، 
وحمزة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي    - : ( 
فسوف يعلمون   ) بياء الغيبة ، وقرأ نافع 
وابن عامر    : ( فسوف تعلمون ) بتاء الخطاب . 
وهذه الآية الكريمة تضمنت ثلاثة أمور : الأول : أمره - صلى الله عليه وسلم - بالصفح عن الكفار . 
والثاني : أن يقول لهم سلام .  
[ ص: 170 ] والثالث : تهديد الكفار بأنهم سيعلمون حقيقة الأمر وصحة ما يوعد به الكافر من عذاب النار . 
وهذه الأمور الثلاثة جاءت موضحة في غير هذا الموضع ؛ كقوله - تعالى - في الأول : 
وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل   [ 15 \ 85 ] . وقوله - تعالى - : 
ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم   [ 22 \ 48 ] . 
والصفح : الإعراض عن المؤاخذة بالذنب . 
قال بعضهم : وهو أبلغ من العفو . 
قالوا : لأن الصفح أصله مشتق من صفحة العنق ، فكأنه يولي المذنب بصفحة عنقه معرضا عن عتابه فما فوقه . 
وأما الأمر الثاني : فقد بين - تعالى - أنه هو شأن عباده الطيبين . 
ومعلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - سيدهم ، كما قال - تعالى - : 
وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما   [ 25 \ 63 ] . وقال - تعالى - : 
وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين   [ 28 \ 55 ] . وقال عن 
إبراهيم    : إنه قال له أبوه : 
لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا   [ 19 \ 46 ] . قال له : 
سلام عليك   [ 19 \ 47 ] . 
ومعنى السلام في الآيات المذكورة إخبارهم بسلامة الكفار من أذاهم ، ومن مجازاتهم لهم بالسوء ، أي سلمتم منا لا نسافهكم ، ولا نعاملكم بمثل ما تعاملوننا . 
وأما الأمر الثالث الذي هو تهديد الكفار بأنهم سيعلمون الحقيقة - قد جاء موضحا في آيات كتاب الله ، كقوله - تعالى - : 
ولتعلمن نبأه بعد حين   [ 38 \ 88 ] . وقوله - تعالى - : 
لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون   [ 6 \ 67 ] . وقوله : 
كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون   [ 78 \ 4 - 5 ] . وقوله - تعالى - : 
كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون   [ 102 \ 3 - 4 ] . وقوله - تعالى - : 
لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين   [ 102 \ 6 - 7 ] . إلى غير ذلك من الآيات .  
[ ص: 171 ] وكثير من أهل العلم يقول : إن قوله - تعالى - : 
فاصفح عنهم وما في معناه - منسوخ بآيات السيف ، وجماعات من المحققين يقولون : هو ليس بمنسوخ . 
والقتال في المحل الذي يجب فيه القتال 
والصفح عن الجهلة والإعراض عنهم   - وصف كريم ، وأدب سماوي ، لا يتعارض مع ذلك ، والعلم عند الله - تعالى - .