صفحة جزء
تنبيه :

اعلم أن العلماء اختلفوا في عمل العبد الجائز الذي لا ثواب ولا عقاب عليه ، هل تكتبه الحفظة عليه أو لا ؟ فقال بعضهم : يكتب عليه كل شيء حتى الأنين في المرض ، وهذا هو ظاهر قوله : ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد [ 50 \ 18 ] ; لأن قوله : " من قول " نكرة في سياق النفي زيدت قبلها لفظة " من " ، فهي نص صريح في العموم .

وقال بعض العلماء : لا يكتب من الأعمال إلا ما فيه ثواب أو عقاب ، وكلهم مجمعون على أنه لا جزاء إلا فيما فيه ثواب أو عقاب فالذين يقولون : لا يكتب إلا ما فيه ثواب أو عقاب ، والذين يقولون : يكتب الجميع - متفقون على إسقاط ما لا ثواب فيه ولا عقاب ، إلا أن بعضهم يقولون : لا يكتب أصلا ، وبعضهم يقولون : يكتب أولا ، ثم يمحى . وزعم بعضهم أن محو ذلك ، وإثبات ما فيه ثواب أو عقاب هو معنى قوله تعالى : [ ص: 429 ] يمحوا الله ما يشاء ويثبت الآية [ 13 \ 39 ] .

والذين قالوا : لا يكتب ما لا جزاء فيه . قالوا : إن في الآية نعتا محذوفا سوغ حذفه العلم به ، لأن كل الناس يعلمون أن الجائز لا ثواب فيه ولا عقاب ، وتقدير النعت المحذوف : ما يلفظ من قول مستوجب للجزاء ، وقد قدمنا أن حذف النعت إذا دل عليه - أسلوب عربي معروف ، وقدمنا أن منه قوله تعالى : وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا [ 18 \ 79 ] ، أي كل سفينة صحيحة لا عيب فيها بدليل قوله : فأردت أن أعيبها [ 18 \ 79 ] ، وقوله تعالى : وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة [ 17 \ 58 ] ، أي قرية ظالمة بدليل قوله تعالى : وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون [ 28 \ 59 ] ، وإن من شواهده قول المرقش الأكبر :


ورب أسيلة الخدين بكر مهفهفة لها فرع وجيد

أي لها فرع فاحم وجيد طويل . وقول عبيد بن الأبرص :


من قوله قول ومن فعله     فعل ومن نائله نائل



أي قول فصل ، وفعل جميل ، ونائل جزل .

التالي السابق


الخدمات العلمية