تنبيه 
تنقسم أفعاله - صلى الله عليه وسلم - إلى عدة أقسام : 
أولا : ما كان يفعله بمقتضى الجبلة ، وهو متطلبات الحياة من أكل ، وشرب ، ولبس ، ونوم ، فهذا كله يفعله استجابة لمتطلبات الحياة ، وكان يفعله قبل البعثة ويفعله كل إنسان ، فهو على الإباحة الأصلية ، وليس فيه تشريع جديد ، ولكن صورة الفعل ، وكيفيته ككون الأكل والشراب باليمين إلخ ، وكونه من أمام الآكل ، فهذا هو موضع التأسي به - صلى الله عليه وسلم - وكذلك نوع المأكول أو تركه ما لم يكن لمانع كعدم أكله - صلى الله عليه وسلم - للضب والبقول المطبوخة ، وقد بين السبب في ذلك ، فالأول : لأنه ليس في أرض قومه فكان يعافه ، والثاني : لأنه يناجي من لا نناجي ، وقد قال صاحب المراقي : 
وفعله المركوز في الجبلة كالأكل والشرب فليس مله 
 [ ص: 39 ] من غير لمح الوصف . . . 
ثانيا : ما كان مترددا بين الجبلة والتشريع كوقوفه - صلى الله عليه وسلم - 
بعرفة  راكبا على ناقته ، ونزوله 
بالمحصب  منصرفه من 
منى ،  فالوقوف الذي هو ركن الحج يتم بالتواجد في الموقف 
بعرفة  على أية حالة ، فهل كان وقوفه - صلى الله عليه وسلم - راكبا من تمام نسكه ، أم أنه - صلى الله عليه وسلم - فعله دون قصد إلى النسك ؟ خلاف بين الأصوليين ، ولا يبعد من يقول : قد يكون فعله - صلى الله عليه وسلم - هذا ؛ ليكون أبرز لشخصه في مثل هذا الجمع ، تسهيلا على من أراده لسؤال أو رؤية أو حاجة ، فيكون تشريعا لمن يكون في منزلته في المسئولية . 
ثالثا : ما ثبتت خصوصيته به مثل جواز جمعه بين أكثر من أربع نسوة بالنكاح لقوله تعالى : 
ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك   [ 33 \ 50 ] ، وكن أكثر من أربع ، ونكاح الواهبة نفسها لقوله تعالى : 
خالصة لك من دون المؤمنين   [ 33 \ 50 ] فهذا لا شركة لأحد معه فيه . 
رابعا : ما كان بيانا لنص قرآني ، كقطعه - صلى الله عليه وسلم - يد السارق من الكوع بيانا لقوله تعالى 
والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما   [ 5 \ 38 ] ، وكأعمال الحج والصلاة ، فهما بيان لقوله تعالى 
وأقيموا الصلاة   [ 2 \ 43 ] ، وقوله : 
ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا   [ 3 \ 97 ] ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007269  " صلوا كما رأيتموني أصلي " ، وقال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008444  " خذوا عني مناسككم " ، فهذا القسم حكمه للأمة ، حكم المبين بالفتح ، ففي الوجوب واجب ، وفي غيره بحسبه . 
خامسا : ما فعله - صلى الله عليه وسلم - لا لجبلة ولا لبيان ، ولم تثبت خصوصيته له ، فهذا على قسمين : أحدهما : أن يعلم حكمه بالنسبة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - من وجوب ، أو ندب ، أو إباحة ، فيكون حكمه للأمة كذلك كصلاته - صلى الله عليه وسلم - في 
الكعبة ،  وقد علمنا أنها في حقه - صلى الله عليه وسلم - جائزة ، فهي للأمة على الجواز . ثانيهما : ألا يعلم حكمه بالنسبة إليه - صلى الله عليه وسلم - وفي هذا القسم أربعة أقوال : 
أولها : الوجوب عملا بالأحوط ، وهو قول 
أبي حنيفة ،  وبعض الشافعية ، ورواية عن 
أحمد    . 
ثانيها : الندب لرجحان الفعل على الترك ، وهو قول بعض الشافعية ، ورواية عن 
أحمد  أيضا .  
[ ص: 40 ] ثالثها : الإباحة ؛ لأنها المتيقن ، ولكن هذا فيما لا قربة فيه ، إذ القرب لا توصف بالإباحة . 
رابعها : التوقف لعدم معرفة المراد ، وهو قول 
المعتزلة ،  وهذا أضعف الأقوال ؛ لأن التوقف ليس فيه تأس . 
فتحصل لنا من هذه الأقوال الأربعة أن الصحيح الفعل تأسيا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوبا أو ندبا ، ومثلوا لهذا الفعل بخلعه - صلى الله عليه وسلم - نعله في الصلاة ، فخلع الصحابة كلهم نعالهم ، فلما انتهى - صلى الله عليه وسلم - سألهم عن خلعهم نعالهم قالوا : رأيناك فعلت ففعلنا ، فقال لهم : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003097  " أتاني جبريل  وأخبرني أن في نعلي أذى فخلعتها " ، فإنه أقرهم على خلعهم تأسيا به ، ولم يعب عليهم مع أنهم لم يعلموا الحكم قبل إخباره إياهم ، وقد جاء هنا ما تقولون بصيغة العموم . 
وقال الشيخ - رحمه الله - في دفع الإيهام في سورة " الأنفال " عند قوله تعالى : 
ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم   [ 8 \ 24 ] ، ما نصه : وهذه الآية تدل بظاهرها على أن الاستجابة للرسول التي هي طاعته لا تجب إلا إذا دعانا لما يحيينا ، ونظيرها قوله تعالى : 
ولا يعصينك في معروف   . 
وقد جاء في آيات أخر ما يدل على وجوب اتباعه مطلقا من غير قيد ، كقوله : 
وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا   [ 59 \ 7 ] . 
وقوله : 
قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله الآية [ 3 \ 31 ] ، و 
من يطع الرسول فقد أطاع الله   [ 4 \ 80 ] . 
والظاهر : أن وجه الجمع والله تعالى أعلم : أن آيات الإطلاق مبينة أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يدعونا إلا لما يحيينا من خيري الدنيا والآخرة ، فالشرط المذكور في قوله : 
إذا دعاكم ، متوفر في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لمكان عصمته ، كما دل عليه قوله تعالى : 
وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى   [ 53 \ 3 - 4 ] . 
والحاصل : أن آية : 
إذا دعاكم لما يحييكم ، مبينة أنه لا طاعة إلا لمن يدعو إلى ما يرضي الله ، وأن الآيات الأخر بينت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدعو أبدا إلا إلى ذلك ، صلوات   
[ ص: 41 ] الله وسلامه عليه ، انتهى . 
وقد بينت السنة كذلك حقيقة ومنتهى ما جاء به - صلى الله عليه وسلم - في قوله : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009490  " ما تركت خيرا يقربكم إلى الله إلا بينته لكم وأمرتكم به ، وما تركت شرا يباعدكم عن الله إلا بينته لكم ، وحذرتكم منه ونهيتكم عنه " .