صفحة جزء
قوله تعالى : إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون .

( يثقفوكم ) أي : يدركوكم ، وأصل الثقف الحذق في إدراك الشيء وفعله ، والرمح المثقف المقوم .

قال الراغب : ثم يتجوز به فيستعمل في الإدراك وإن لم تكن معه ثقافة ، قال تعالى : واقتلوهم حيث ثقفتموهم [ 2 \ 191 ] ، وقال : فإما تثقفنهم في الحرب [ 8 \ 57 ] ا هـ .

فهذه نصوص القرآن في أن الثقافة بمعنى الإدراك ، وقوله تعالى : إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء الآية ، نص على أن العداوة وبسط اليد واللسان بالسوء يكون بعد أن يثقفوهم مع أن العداء سابق بإخراجهم إياهم من ديارهم ، فيكون هذا من باب التهييج وشدة التحذير ، وأن الذي يكون بعد الشرط هو بسط الأيدي بالسوء ؛ لأنهم الآن لا يقدرون عليهم بسبب الهجرة ، ومن أدلة القرآن على وجود العداوة بالفعل لدى عموم من دون المؤمنين في قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر [ 3 \ 118 ] فقوله : من دونكم يشمل المشركين ، والمنافقين ، وأهل الكتاب ، وقوله : ودوا ما عنتم ، أي : في الحاضر ، وقوله : قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر لم يتوقف على الشرط المذكور في إن يثقفوكم ، فهم أعداء ، وقد بدت منهم البغضاء قولا وفعلا .

وعلى هذا تكون الآية إعلان المقاطعة بين المؤمنين ، ومن دونهم وقوله : وودوا لو تكفرون ، قد بين تعالى سبب ذلك بأنه الحسد كما في قوله تعالى : ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق [ 2 \ 109 ] .

وقال تعالى : فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا إلى قوله : [ ص: 84 ] ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء [ 4 \ 88 - 89 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية