صفحة جزء
فضل الأذان وآداب المؤذن

لا شك أن الأذان من أفضل الأعمال ، وأن المؤذن يشهد له ما سمع صوته من حجر ومدر . إلخ .

وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم : " أن المؤذنين أطول الناس أعناقا يوم القيامة " .

وقال عمر رضي الله عنه : لولا الخلافة لأذنت .

وقال صلى الله عليه وسلم : " الإمام ضامن ، والمؤذن مؤتمن ، اللهم أرشد الأئمة ، واغفر للمؤذنين " . رواه أبو داود والترمذي ، إلى غير ذلك من فضائل الأذان ، فقيل : مؤتمن على الوقت ، وقيل : مؤتمن على عورات البيوت عند الأذان ، فقد حث - صلى الله عليه وسلم - المؤذنين على الوضوء له كما في حديث : " لا ينادي للصلاة إلا متوضئ " وإن كان الحدث لا يبطله اتفاقا .

ولما كان بهذه المثابة كانت له آداب في حق المؤذنين :

منها : أن يكونوا من خيار الناس ، كما عند أبي داود : " ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم قراؤكم " ، وعليه حذر - صلى الله عليه وسلم - من تولي الفسقة الأذان كما في حديث : " الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن " المتقدم . فإن فيه زيادة عند البزار قالوا يا رسول الله : لقد تركتنا نتنافس في الأذان بعدك فقال : " إنه يكون بعدي أو بعدكم قوم سفلتهم مؤذنوهم " .

ومنها : أنه يكره التغني فيه ؛ لأنه ذكر ودعاء إلى أفضل العبادات ، وقد جاء عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن رجلا قال له : إني أحبك في الله ، قال ابن عمر : لكني أبغضك في الله ، فقال : ولم ؟ قال : لأنك تتغنى في أذانك .

وفي المغني لابن قدامة : ولا يعتد بأذان صبي ولا فاسق ، أي ظاهر الفسق ، وعند المالكية : لا يحاكي في أذانه الفسقة .

[ ص: 127 ] ومنها : ألا يلحن فيه لحنا بينا ، قال في المغني : ويكره اللحن في الأذان ، فإنه ربما غير المعنى ، فإن من قال : أشهد أن محمدا رسول الله ونصب لام رسول . أخرجه عن كونه خبرا .

ولا يمد لفظة أكبر لأنه يجعل فيها ألفا فيصير جمع كبر ، وهو الطبل ، ولا يسقط الهاء من اسم الله والصلاة ولا الحاء من الفلاح ، لما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يؤذن لكم من يدغم الهاء " الحديث أخرجه الدارقطني .

فأما إن كان ألثغ لا تتفاحش جاز أذانه ، فقد روي أن بلالا كان يقول : أسهد بجعل الشين سينا ، نقله ابن قدامة ، ولكن لا أصل لهذا الأثر مع شهرته على ألسنة الناس ، كما في كشف الخفاء ومزيل الإلباس .

ومن هذا ينبغي تعهد المؤذنين في هذين الأمرين اللحن والتلحين وكذلك الفسق ، وصفة المؤذنين ولا سيما في بلاد الحرمين الشريفين مهبط الوحي ومصدر التأسي ، وموفد القادمين من كل مكان ليأخذوا آداب الأذان والمؤذنين عن أهل هذه البلاد المقدسة .

التالي السابق


الخدمات العلمية