قوله تعالى : 
ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا   . 
بين تعالى المراد بالروح بأنه 
جبريل    - عليه السلام - في قوله : 
فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا   [ 19 \ 17 ] ، وهو 
جبريل    . 
كما في قوله : 
نزل به الروح الأمين أي نزل 
جبريل  بالقرآن ، وفي هذه الآية رد على 
النصارى  استدلالهم بها على أن 
عيسى    - عليه السلام - ابن الله ومن روحه تعالى ، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، وبيان هذا الرد أن قوله تعالى : 
فأرسلنا إليها روحنا تعدية أرسل بنفسه يدل على أن الذي أرسل يمكن إرساله بنفسه ، وهو فرق عند أهل اللغة ، بينما يرسل نفسه وما يرسل مع غيره كالرسالة والهدية ، فيقال فيه : أرسلت إليه بكذا ، كما في قوله : 
وإني مرسلة إليهم بهدية الآية [ 27 \ 35 ] . 
فالهدية لا ترسل بنفسها ، ومثله بعثت ، تقول : بعثت البعير من مكانه ، وبعثت مبعوثا ، وبعثت برسالة ، ثانيا قوله : 
فتمثل لها لفظ الروح مؤنث ، كما في قوله تعالى : 
فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون   [ 56 \ 83 - 84 ] ، أنث الفعل في بلغت ، وهنا الضمير مذكر عائد 
لجبريل    . 
وقوله : 
فتمثل لها بشرا سويا ، ولو أنه من روح الله على ما ذهب إليه 
النصارى  ، لما كان في حاجة إلى هذا التمثيل .  
[ ص: 226 ] ثالثا قوله لها : 
إنما أنا رسول ربك   [ 19 \ 19 ] ورسول ربها هو 
جبريل    - عليه السلام - وليس روحه تعالى . 
رابعا : قوله : 
لأهب لك غلاما زكيا   [ 19 \ 19 ] ، ولم يقل لأهب لك روحا من الله . 
ومن هذا أيضا قوله تعالى للملائكة : 
إني خالق بشرا من طين   [ 38 \ 71 ] يعني 
آدم  عليه السلام : 
فإذا سويته ونفخت فيه من روحي   [ 15 \ 29 ] ، أي : نفخت فيه الروح التي بها الحياة : 
فقعوا له ساجدين   [ 15 \ 29 ] . فلو أن الروح من الله لكان 
آدم  أولى من 
عيسى    ; لأنه لم يذكر إرسال رسول له ، وقد قال تعالى : 
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون   [ 3 \ 59 ] ، فكذلك 
عيسى    - عليه السلام - لما بشرتها به الملائكة : 
قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون   [ 3 \ 47 ] ، فكل من 
آدم  وعيسى  ، قال له تعالى : كن فكان والله تعالى أعلم .