صفحة جزء
واعلم أن الإمام الأعظم تشترط فيه شروط : الأول : أن يكون قرشيا ، وقريش أولاد فهر بن مالك ، وقيل : أولاد النضر بن كنانة . فالفهري قرشي بلا نزاع ، ومن كان من أولاد مالك بن النضر أو أولاد النضر بن كنانة ؛ فيه خلاف هل هو قرشي أو لا ؟ وما كان من أولاد كنانة من غير النضر فليس بقرشي بلا نزاع .

[ ص: 24 ] قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة في ذكر شرائط الإمام . الأول : أن يكون من صميم قريش ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " الأئمة من قريش " وقد اختلف في هذا .

قال مقيده عفا الله عنه : الاختلاف الذي ذكره القرطبي في اشتراط كون الإمام الأعظم قرشيا ضعيف . وقد دلت الأحاديث الصحيحة على تقديم قريش في الإمامة على غيرهم ، وأطبق عليه جماهير العلماء من المسلمين .

وحكى غير واحد عليه الإجماع ، ودعوى الإجماع تحتاج إلى تأويل ما أخرجه الإمام أحمد ، عن عمر ؛ بسند رجاله ثقات أنه قال : " إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته " . فذكر الحديث وفيه : " فإن أدركني أجلي وقد مات أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل " .

ومعلوم أن معاذا غير قرشي وتأويله بدعوى انعقاد الإجماع بعد عمر أو تغيير رأيه إلى موافقة الجمهور . فاشتراط كونه قرشيا هو الحق ، ولكن النصوص الشرعية دلت على أن ذلك التقديم الواجب لهم في الإمامة مشروط بإقامتهم الدين وإطاعتهم لله ورسوله ، فإن خالفوا أمر الله فغيرهم ممن يطيع الله تعالى وينفذ أوامره أولى منهم .

فمن الأدلة الدالة على ذلك ما رواه البخاري في " صحيحه " عن معاوية حيث قال : باب الأمراء من قريش . حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري قال : كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية وهو عنده في وفد من قريش : أن عبد الله بن عمرو يحدث أنه سيكون ملك من قحطان فغضب ، فقام فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد : فإنه قد بلغني أن رجالا منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ، ولا تؤثر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأولئك جهالكم ، فإياكم والأماني التي تضل أهلها ; فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين " . انتهى من " صحيح البخاري " بلفظه .

ومحل الشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم : " ما أقاموا الدين " لأن لفظة " ما " فيه مصدرية ظرفية ، مقيدة لقوله : " إن هذا الأمر في قريش " ، وتقرير المعنى : إن هذا الأمر في قريش مدة إقامتهم الدين ، ومفهومه : أنهم إن لم يقيموه لم يكن فيهم . وهذا هو التحقيق الذي لا شك فيه في معنى الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية