صفحة جزء
ما يجوز أخذه وما لا يجوز أخذه في الزكاة .

اتفقوا على أنه لا تؤخذ الذكور في الزكاة ، اللهم إلا ابن لبون لمن لم تكن عنده بنت مخاض .

واختلف فيما لو كان النصاب كله ذكورا ، والواقع أن هذا نادر ، ولكن اتفقوا على أنه لا تؤخذ السخال مع وجوب الاعتداد بها على صاحبها .

كما جاء عن عمر - رضي الله عنه - : اعتد عليهم بالسخلة يأتي بها الراعي ، ولا تأخذها منهم ، ولا يجوز أخذ فحل الإبل ولا تيس الغنم ، ولا الربى ، ولا الحلوبة ; لما في ذلك من المضرة على صاحب المال .

كما لا تؤخذ السخلة ولا العجفاء ; لما فيه من مضرة المسكين ، والأصل في ذلك ما رواه مالك - رحمه الله - في الموطأ ، قال : اعتد عليهم بالسخلة يحملها الراعي ، ولا تأخذها ، ولا تأخذ الأكولة ، ولا الربى ، ولا الماخض ، ولا فحل الغنم ، وتأخذ الجذعة والثنية ، وذلك عدل بين غذاء الغنم وخيارها ، وغذاء الغنم صغارها ، وخيارها كبارها وأسمنها ; فهي عدل ، أي : وسط .

وهنا تتحتم كلمة ، يعتبر كل نظام مالي في العالم نظاما ماديا بحتا يقوم على مباني الأرقام والإحصاء ، فهو جاف في شكله ، كالجسم بدون روح ، إلا نظام الزكاة ; فهو نظام حي له روحه وعاطفته .

ففي الوقت الذي يلزم الغني بدفع قسط للفقير ، يحظر على العامل أن يأخذ فوق [ ص: 282 ] ما وجب ، أو أحسن ما وجد .

كما قال - صلى الله عليه وسلم - : " وإياك وكرائم أموالهم " .

وفي الوقت الذي يدفع الغني فيه جزءا من ماله ، يستشعر أنه يدفعه لوجه الله وينتظر أجره - جل وعلا - فأصبحت الزكاة بين عامل متحفظ وبين مالك متطوع ، عامل يخشى قوله - صلى الله عليه وسلم - : " واتق دعوة المظلوم ; فإنه ليس بينها وبين الله حجاب " ، ومالك يرجو في الحسنة عشر أمثالها وسبعمائة ، وزيادة مضاعفة .

وقد وقعت قضية مذهلة لم يشهد نظام مالي في العالم مثلها ، وهي أنه : ذهب عامل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للصدقة ، فمر برجل في قرية قريبة من المدينة بصاحب إبل ، فحسبها ، فقال لصاحبها : أخرج بنت لبون . فقال صاحب الإبل : كيف أخرج بنت لبون في الزكاة ; وهي لا ظهر يركب ولا ضرع يحلب ، ولكن هذه ناقة كوماء ، فخذها في سبيل الله . فقال العامل : وكيف آخذ شيئا لم يجب عليك ؟ فتلاحيا معا - العامل وصاحب المال - وأخذا ، قال له العامل : إن كنت ولا بد مصرا ، فها هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منك قريب بالمدينة . اذهب بها إليه فإن قبلها منك أخذتها ، فذهب بها ، فقال له - صلى الله عليه وسلم - : " أعن طيب نفس ؟ " قال : نعم يا رسول الله . فأمر العامل بأخذها ، فدعا له - صلى الله عليه وسلم - بالبركة ; فعاش حتى عهد معاوية . فكانت زكاة إبله هذه هي روح الزكاة في الإسلام ، لا ما يفعله أصحاب الأموال في النظم الأخرى .

أما نظام الضرائب حيث يتهربون ، ويقللون ويتخذون دفاتر متعددة بعضها لمصلحة الضرائب يقلل فيها دخله وكسبه لتخف الضريبة عليه ; لأنه يراها مغرما كالجزية ، وبعضها لنفسه ليعرف حقيقة ماله .

أما الزكاة : فإن مالكها يقدم زكاتها لوجه الله ; ليطهر ماله ; لقوله تعالى : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها [ 9 \ 103 ] .

وكما قال - صلى الله عليه وسلم - : " إن أحدكم ليتصدق بالصدقة ، وإنها لتقع أول ما تقع في كف الرحمن فينميها له كما ينمي أحدكم فلوه - أي : ولد فرسه - حتى تكون مثل جبل أحد " .

[ ص: 283 ] وكما قال - صلى الله عليه وسلم - : " ما نقصت صدقة من مال " .

التالي السابق


الخدمات العلمية