صفحة جزء
[ ص: 357 ] بسم الله الرحمن الرحيم .

سورة المزمل .

قوله تعالى : ياأيها المزمل قم الليل إلا قليلا

بين تعالى المراد من المقدار المطلوب قيامه بما جاء بعده نصفه أو انقص منه [ 73 \ 3 ] ، أي : من نصفه أو زد عليه ، أي : على نصفه ، وفي هذه الآية الكريمة وما بعدها بيان لمجمل قوله تعالى : ومن الليل فتهجد به نافلة لك الآية [ 17 \ 79 ] .

وفيها بيان لكيفية القيام ، وهو بترتيل القرآن ، وفيها رد على مسألتين اختلف فيهما .

الأولى منهما : عدد ركعات قيام الليل ، أهو ثماني ركعات أو أكثر ؟

وقد خير - صلى الله عليه وسلم - بين هذه الأزمنة من الليل ، فترك ذلك لنشاطه واستعداده وارتياحه . فلا يمكن التعبد بعدد لا يصح دونه ولا يجوز تعديه ، واختلف في قيام رمضان خاصة ، والأولى أن يؤخذ بما ارتضاه السلف ، وقد قدمنا في هذه المسألة رسالة عامة هي رسالة التراويح أكثر من ألف عام في مسجد النبي - عليه السلام - ، وقد استقر العمل على عشرين في رمضان .

والمسألة الثانية : ما يذكره الفقهاء في كيفية قيام الليل عامة : هل الأفضل كثرة الركعات لكثرة الركوع والسجود ؟ ، وحيث إن أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد ، أم طول القيام للقراءة ؟ حيث إن للقارئ بكل حرف عشر حسنات ، فهنا قوله تعالى : ورتل القرآن ترتيلا [ 73 \ 4 ] ، نص على أن العبرة بترتيل القرآن ترتيلا ، وأكد بالمصدر تأكيدا لإرادة هذا المعنى ، كما قال ابن مسعود : " لا تنثروه نثر الرمل ، ولا تهذوه هذ الشعر ؟ قفوا عند عجائبه ، وحركوا به القلوب ، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة " .

وقد بينت أم سلمة - رضي الله عنها - تلاوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقولها : كان يقطع قراءته آية آية : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين [ 1 \ 4 ] . رواه أحمد .

[ ص: 358 ] وفي الصحيح عن أنس : سئل عن قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : كانت مدا ، ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن ، ويمد الرحيم .

تنبيه .

إن للمد حدودا معلومة في التجويد حسب تلقي القراء - رحمهم الله - ، فما زاد عنها فهو تلاعب ، وما قل عنها فهو تقصير في حق التلاوة .

ومن هذا يعلم أن المتخذين القرآن كغيره في طريقة الأداء من تمطيط وتزيد لم يراعوا معنى هذه الآية الكريمة ، ولا يمنع ذلك تحسين الصوت بالقراءة ، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - : " زينوا القرآن بأصواتكم " .

وقال أبو موسى - رضي الله عنه - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو كنت أعلم أنك تسمع قراءتي ; لحبرته لك تحبيرا . وهذا الوصف هو الذي يتأتى منه الغرض من التلاوة ، وهو التدبر والتأمل ، كما في قوله تعالى : أفلا يتدبرون القرآن [ 4 \ 82 ] ، كما أنه هو الوصف الذي يتأتى معه الغرض من تخشع القلب ، كما في قوله تعالى : الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله [ 39 \ 23 ] ، ولا تتأثر به القلوب والجلود إلا إذا كان مرتلا ، فإذا كان هذا كالشعر أو الكلام العادي لما فهم ، وإذا كان مطربا كالأغاني لما أثر . فوجب الترتيل كما بين - صلى الله عليه وسلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية