صفحة جزء
قوله تعالى : وثيابك فطهر

قد اختلف المفسرون في المراد من كل من لفظتي : الثياب ، وفطهر ، هل هما دلا على الحقيقة ويكون المراد طهارة الثوب من النجاسات ؟ أم هما على الكناية ؟ والمراد بالثوب : البدن ، والطهارة عن المعنويات من معاصي وآثام ونحوها ، أم على الحقيقة والكناية ؟ ، فقد ذكر ابن جرير وغيره نحوا من خمسة أقوال :

[ ص: 362 ] الأول : عن ابن عباس ، وعكرمة ، والضحاك أن معناه : لا تلبس ثيابك على معصية ولا على غدرة ، واستشهد بقول غيلان :


وإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدرة أتقنع



وقول الآخر :


إذا المرء لم يدنس من اللؤم     عرضه فكل رداء يرتديه جميل



فاستعمل اللفظين في الكناية ، وقد يستدل له بقوله : ووضعنا عنك وزرك [ 94 \ 2 ] .

وورد عن ابن عباس : لا تلبس ثيابك من كسب غير طيب ، فاستعمل الثياب في الحقيقة ، والتطهير في الكناية .

وعن مجاهد : أصلح عملك ، وعملك فأصلح ، فاستعملهما معا في الكناية عن العمل الصالح .

وعن محمد بن سيرين ، وابن زيد : على حقيقتهما ، فطهر ثيابك من النجاسة .

ثم قال : والذي قاله ابن سيرين وابن زيد أظهر في ذلك .

وقول ابن عباس وعكرمة قول عليه أكثر السلف . والله أعلم بمراده .

وقال غيره : ثيابك هي نساؤك ، كما في قوله هن لباس لكم [ 2 \ 187 ] ، فأمرهن بالتطهر ، وتخيرهن طاهرات خيرات .

هذه أقوال المفسرين واختيار ابن جرير منها ، والواقع في السياق ما يشهد لاختيار ابن جرير ، وهو حمل اللفظين على حقيقتهما .

وترجيح قول ابن سيرين أن المراد طهارة الثوب من النجاسة ، والقرينة في الآية أنها اشتملت على أمرين :

الأول : طهارة الثوب ، والثاني : هجر الرجز .

ومن معاني الرجز : المعاصي ، فيكون حمل طهارة الثوب على حقيقته ، وهو الرجز على حقيقته لمعنى جديد أولى .

[ ص: 363 ] وهذه الآية بقسميها جاء نظيرها بقسميها أصرح من ذلك في قوله تعالى وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان [ 8 \ 11 ] - . والله تعالى أعلم - .

وقد جعل الشافعي هذه الآية دليلا على الطهارة للصلاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية