صفحة جزء
مسائل في أحكام التيمم

المسألة الأولى : لم يخالف أحد من جميع المسلمين في التيمم ، عن الحدث الأصغر ، وكذلك عن الحدث الأكبر ، إلا ما روي عن عمر ، وابن مسعود ، وإبراهيم النخعي من التابعين أنهم منعوه ، عن الحدث الأكبر .

ونقل النووي في " شرح المهذب " عن ابن الصباغ وغيره القول برجوع عمر ، وعبد الله بن مسعود عن ذلك ، واحتج لمن منع التيمم ، عن الحدث الأكبر بأن آية النساء ليس فيها إباحته إلا لصاحب الحدث الأصغر ; حيث قال : أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا الآية [ 4 \ 43 ] ، ورد هذا الاستدلال من ثلاثة أوجه :

الأول : أنا لا نسلم عدم ذكر الجنابة في آية النساء ، لأن قوله تعالى : أو لامستم النساء [ 4 \ 43 ] ، فسره ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما ، بأن المراد به الجماع ، وإذا فذكر التيمم بعد الجماع المعبر عنه باللمس ، أو الملامسة بحسب القراءتين ، والمجيء من الغائط دليل على شمول التيمم لحالتي الحدث الأكبر ، والأصغر .

الثاني : أنه تعالى في سورة المائدة ، صرح بالجنابة غير معبر عنها بالملامسة ، ثم ذكر بعدها التيمم ، فدل على أن يكون عنها أيضا حيث قال : إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا [ 5 \ 6 ] ، ثم قال : فلم تجدوا ماء فتيمموا الآية [ 5 \ 6 ] .

فهو عائد إلى المحدث ، والجنب جميعا ، كما هو ظاهر .

الثالث : تصريحه - صلى الله عليه وسلم - بذلك الثابت عنه في الصحيح ; فقد أخرج الشيخان في صحيحيهما عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما ، أنه قال : " أجنبت فلم أصب الماء ، فتمعكت في الصعيد وصليت ، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " إنما كان يكفيك هكذا " ، [ ص: 359 ] وضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بكفيه الأرض ، ونفخ فيهما ، ثم مسح بهما وجهه ، وكفيه " .

وأخرجا في صحيحيهما أيضا من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما ، قال : " كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فصلى بالناس ; فإذا هم برجل معتزل ، فقال : ما منعك أن تصلي ؟ قال : أصابتني جنابة ولا ماء ، قال : عليك بالصعيد ، فإنه يكفيك " .

والأحاديث في الباب كثيرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية