صفحة جزء
المسألة السادسة : هل يجوز أن يصلي بالتيمم الواحد فريضتان أو لا ؟ .

ذهب بعض العلماء إلى أنه يجوز به فريضتان ، أو فرائض ما لم يحدث ، وعليه كثير من العلماء ، منهم الإمام أحمد في أشهر الروايتين ، والحسن البصري ، وأبو حنيفة ، وابن المسيب ، والزهري .

وذهب مالك ، والشافعي ، وأصحابهما إلى أنه لا تصلى به إلا فريضة واحدة ; وعزاه النووي في " شرح المهذب " لأكثر العلماء ، وذكر أن ابن المنذر حكاه عن علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، وابن عمر ، والشافعي ، والنخعي ، وقتادة ، وربيعة ، ويحيى الأنصاري ، والليث ، وإسحاق ، وغيرهم .

واحتج أهل القول الأول بأن النصوص الواردة في التيمم ، ليس فيها التقييد بفرض واحد ، وظاهرها الإطلاق ، وبحديث : " الصعيد الطيب وضوء المسلم " الحديث ، وبقوله - صلى الله عليه وسلم - الثابت في الصحيح : " وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " ، وقوله تعالى : ولكن يريد ليطهركم [ 5 \ 6 ] .

واحتج أهل القول الثاني بما روي عن ابن عباس رضي عنهما ، أنه قال : من السنة ألا يصلي بالتيمم إلا مكتوبة واحدة ، ثم يتيمم للأخرى ، وقول الصحابي من السنة [ ص: 369 ] له حكم الرفع على الصحيح عند المحدثين ، والأصوليين ، أخرج هذا الحديث الدارقطني ، والبيهقي من طريق الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عنه ، والحسن ضعيف جدا قال فيه ابن حجر في " التقريب " : متروك ، وقال فيه مسلم ، في مقدمة صحيحه : حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا أبو داود قال : قال لي شعبة : ائت جرير بن حازم ، فقل له : لا يحل لك أن تروي عن الحسن بن عمارة ، فإنه يكذب .

وقال البيهقي لما ساق هذا الحديث في سننه : الحسن بن عمارة لا يحتج به ، اهـ . وهو أبو محمد البجلي مولاهم الكوفي قاضي بغداد ، واحتجوا أيضا بما روي عن ابن عمر ، وعلي ، وعمرو بن العاص موقوفا عليهم ، أما ابن عمر فرواه عنه البيهقي ، والحاكم من طريق عامر الأحول ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : يتيمم لكل صلاة ، وإن لم يحدث ، قال البيهقي : وهو أصح ما في الباب قال : ولا نعلم له مخالفا من الصحابة .

قال مقيده - عفا الله عنه - : ومثل هذا يسمى إجماعا سكوتيا ، وهو حجة عند أكثر العلماء ، ولكن أثر ابن عمر هذا الذي صححه البيهقي ، وسكت ابن حجر على تصحيحه له في " التلخيص " ، " والفتح " ، تكلم فيه بعض أهل العلم بأن عامرا الأحول ضعفه سفيان بن عيينة ، وأحمد بن حنبل ، وقيل : لم يسمع من نافع ، وضعف هذا الأثر ابن حزم ونقل خلافه عن ابن عباس ، وقال ابن حجر في " الفتح " : بعد أن ذكر أن البيهقي قال : لا نعلم له مخالفا ، وتعقب بما رواه ابن المنذر عن ابن عباس ، أنه لا يجب .

وأما عمرو بن العاص فرواه عنه الدارقطني ، والبيهقي ، من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ، أن عمرو بن العاص كان يتيمم لكل صلاة ، وبه كان يفتي قتادة ، وهذا فيه إرسال شديد بين قتادة ، وعمرو ، قاله ابن حجر في " التلخيص " ، والبيهقي في " السنن الكبرى " وهو ظاهر ، وأما علي فرواه عنه الدارقطني أيضا بإسناد فيه حجاج بن أرطأة والحارث الأعور ، قاله ابن حجر أيضا ، ورواه البيهقي في " السنن الكبرى " بالإسناد الذي فيه المذكوران .

أما حجاج بن أرطأة ، فقد قال فيه ابن حجر في " التقريب " : صدوق ، كثير الخطأ ، والتدليس ، وأما الحارث الأعور فقال فيه ابن حجر في " التقريب " : كذبه الشعبي في رأيه ، ورمي بالرفض ، وفي حديثه ضعف ، وقال فيه مسلم في مقدمة صحيحه : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا جابر عن مغيرة عن الشعبي ، قال : حدثني الحارث الأعور [ ص: 370 ] الهمداني ، وكان كذابا ، حدثنا أبو عامر عبد الله بن براد الأشعري ، حدثنا أبو أسامة عن مفضل عن مغيرة ، قال : سمعت الشعبي يقول : حدثني الحارث الأعور وهو يشهد أنه أحد الكذابين ، وقد ذكر البيهقي هذا الأثر عن علي في التيمم ، في باب : " التيمم لكل فريضة " وسكت عن الكلام في المذكورين ، أعني حجاج بن أرطأة ، والحارث الأعور ، لكنه قال في حجاج في باب " المنع من التطهير بالنبيذ " : لا يحتج به ، وضعفه في باب : " الوضوء من لحوم الإبل " ، وقال في باب : " الدية أرباع " : مشهور بالتدليس ، وأنه يحدث عمن لم يلقه ، ولم يسمع منه ، قاله الدارقطني ، وضعف الحارث الأعور في باب : " منع التطهير بالنبيذ أيضا " .

وقال في باب : " أصل القسامة " ، قال الشعبي : كان كذابا .

التالي السابق


الخدمات العلمية