صفحة جزء
تنبيه

إذا اقتص المجني عليه من الجاني ، فيما دون النفس ، فمات من القصاص ، فلا شيء على الذي اقتص منه ، عند مالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وهو قول الجمهور من الصحابة ، والتابعين ، وغيرهم .

وقال أبو حنيفة : تجب الدية في مال المقتص ، وقال الشعبي ، وعطاء ، وطاوس ، وعمرو بن دينار ، والحارث العكلي ، وابن أبي ليلى ، وحماد بن أبي سليمان ، والزهري ، والثوري ، تجب الدية على عاقلة المقتص له .

[ ص: 393 ] وقال ابن مسعود ، وإبراهيم النخعي ، والحكم بن عتيبة ، وعثمان البتي ، يسقط عن المقتص له قدر تلك الجراحة ، ويجب الباقي في ماله ، قاله ابن كثير .

والحق أن سراية القود غير مضمونة ، لأن من قتله القود ، قتله الحق ، كما روي عن أبي بكر ، وعمر ، وغيرهما ، بخلاف سراية الجناية ، فهي مضمونة ، والفرق بينهما ظاهر جدا .

واعلم أنه لا تؤخذ عين ، ولا أذن ، ولا يد يسرى بيمنى ، ولا عكس ذلك ، لوجوب اتحاد المحل في القصاص ، وحكي عن ابن سيرين ، وشريك أنهما قالا : بأن إحداهما تؤخذ بالأخرى ، والأول قول أكثر أهل العلم .

واعلم أنه يجب تأخير القصاص في الجراح حتى تندمل جراحة المجني عليه ، فإن اقتص منه قبل الاندمال ، ثم زاد جرحه ، فلا شيء له .

والدليل على ذلك ، ما رواه الإمام أحمد ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته ، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أقدني ، فقال : " حتى تبرأ " ، ثم جاء إليه ، فقال : أقدني ، فأقاده ، فقال : يا رسول الله عرجت ، فقال : " قد نهيتك فعصيتني ، فأبعدك الله وبطل عرجك " ، ثم نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقتص من جرح قبل أن يبرأ صاحبه ، تفرد به أحمد ، قاله ابن كثير .

وقال بعض العلماء بجواز تعجيل القصاص قبل البرء ، وقد عرفت من حديث عمرو بن شعيب المذكور آنفا ، أن سراية الجناية بعد القصاص هدر ، وقال أبو حنيفة ، والشافعي : ليست هدرا ، بل هي مضمونة ، والحديث حجة عليهما - رحمهما الله تعالى - ووجهه ظاهر ; لأنه استعجل ما لم يكن له استعجاله ، فأبطل الشارع حقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية