قوله تعالى : 
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة الآية . 
اعلم أن جمهور العلماء على أن 
المراد بالوسيلة هنا هو القربة إلى الله تعالى ، بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه على وفق ما جاء به 
محمد    - صلى الله عليه وسلم - بإخلاص في ذلك لله تعالى ; لأن هذا وحده هو الطريق الموصلة إلى رضى الله تعالى ، ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة . 
وأصل الوسيلة : الطريق التي تقرب إلى الشيء ، وتوصل إليه وهي العمل الصالح بإجماع العلماء ; لأنه لا وسيلة إلى الله تعالى إلا باتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى هذا فالآيات المبينة للمراد من الوسيلة كثيرة جدا كقوله تعالى : 
وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا   [ 59 \ 7 ] ، وكقوله : 
قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني   [ \ 31 ] ، وقوله : 
قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول   [ 24 \ 54 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . 
وروي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    - رضي الله عنهما - أن المراد بالوسيلة الحاجة ، ولما سأله 
نافع الأزرق  هل تعرف العرب ذلك ؟ أنشد له بيت 
عنترة    : [ الكامل ] 
إن الرجال لهم إليك وسيلة إن يأخذوك تكحلي وتخضبي 
قال : يعني لهم إليك حاجة ، وعلى هذا القول الذي روي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ، فالمعنى : 
وابتغوا إليه الوسيلة   [ 5 \ 35 ] ، واطلبوا حاجتكم من الله ; لأنه وحده هو الذي يقدر على إعطائها ، ومما يبين معنى هذا الوجه قوله تعالى : 
إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه الآية [ 29 \ 17 ] ، وقوله : 
واسألوا الله من فضله الآية [ 4 \ 32 ] ، وفي الحديث : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007467إذا سألت فاسأل الله   " .  
[ ص: 403 ] قال مقيده - عفا الله عنه - : التحقيق في معنى الوسيلة هو ما ذهب إليه عامة العلماء من أنها التقرب إلى الله تعالى بالإخلاص له في العبادة ، على وفق ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتفسير 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  داخل في هذا ; لأن دعاء الله والابتهال إليه في طلب الحوائج من أعظم أنواع عبادته التي هي الوسيلة إلى نيل رضاه ورحمته . 
وبهذا التحقيق تعلم أن ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهال المدعين للتصوف من أن المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه ، أنه تخبط في الجهل والعمى وضلال مبين وتلاعب بكتاب الله تعالى ، 
واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار ، كما صرح به تعالى في قوله عنهم : 
ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى   [ 39 \ 3 ] ، وقوله : 
ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون   [ 10 \ 18 ] ، فيجب على كل مكلف أن يعلم أن 
الطريق الموصلة إلى رضى الله وجنته ورحمته هي اتباع رسوله   - صلى الله عليه وسلم - ومن حاد عن ذلك فقد ضل سواء السبيل ، 
ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به الآية [ 4 \ 123 ] . 
والظاهر أن الوسيلة في بيت 
عنترة  معناها التقرب أيضا إلى المحبوب ; لأنه وسيلة لنيل المقصود منه ، ولذا أنشد بيت 
عنترة  المذكور 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير  ، 
والقرطبي  وغيرهما لهذا المعنى الذي ذكرنا ، وجمع الوسيلة : الوسائل ، ومنه قول الشاعر : [ الطويل ] 
إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا     وعاد التصافي بيننا والوسائل 
وهذا الذي فسرنا به الوسيلة هنا هو معناها أيضا في قوله تعالى : 
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب الآية [ 17 \ 57 ] ، وليس المراد بالوسيلة أيضا المنزلة التي في الجنة التي أمرنا - صلى الله عليه وسلم - أن نسأل له الله أن يعطيه إياها ، نرجو الله أن يعطيه إياها ; لأنها لا تنبغي إلا لعبد ، وهو يرجو أن يكون هو .