صفحة جزء
قوله تعالى : يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ، في هذه الآية الكريمة إجمال ; لأن المشار إليه بقوله هذا ، مفسر الضمير في قوله : فخذوه ، وقوله : لم تؤتوه ، لم يصرح به في الآية ولكن الله أشار له هنا ، وذكره في موضع آخر .

[ ص: 404 ] اعلم أولا أن هذه الآية نزلت في اليهودي واليهودية الذين زنيا بعد الإحصان ، وكان اليهود قد بدلوا حكم الرجم في التوراة ، فتعمدوا تحريف كتاب الله ، واصطلحوا فيما بينهم على أن الزاني المحصن الذي يعلمون أن حده في كتاب الله ، التوراة : الرجم ، أنهم يجلدونه ويفضحونه بتسويد الوجه ، والإركاب على حمار ، فلما زنى المذكوران قالوا فيما بينهم تعالوا نتحاكم إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - في شأن حدهما ، فإن حكم بالجلد والتحميم فخذوا عنه ذلك واجعلوه حجة بينكم وبين الله تعالى ويكون نبي من أنبياء الله قد حكم فيهما بذلك ، وإن حكم بالرجم فلا تتبعوه ، فإذا عرفت ذلك فاعلم أن المراد بقوله : هذا ، وقوله : فخذوه ، وقوله : وإن لم تؤتوه ، هو الحكم المحرف الذي هو الجلد والتحميم كما بينا ، وأشار إلى ذلك هنا بقوله : يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا يعني المحرف والمبدل الذي هو الجلد والتحميم فخذوه ، وإن لم تؤتوه بأن حكم بالحق الذي هو الرجم فاحذروا أن تقبلوه .

وذكر تعالى هذا أيضا في قوله : ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله [ 3 \ 23 ] ، يعني التوراة ليحكم بينهم ، يعني في شأن الزانيين المذكورين ، ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ، أي عما في التوراة من حكم رجم الزاني المحصن ، وقوله هنا : ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ، هو معنى قوله عنهم : وإن لم تؤتوه فاحذروا ، والعلم عند الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية