صفحة جزء
قوله تعالى : أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون .

هذه الآية تدل على أنهم قتلوا بعض الرسل ، ونظيرها قوله تعالى : قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم الآية [ 3 \ 183 ] .

وقوله : كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون [ 5 \ 70 ] .

وقد جاء في آيات أخر ما يدل على أن الرسل غالبون منصورون كقوله : كتب الله لأغلبن أنا ورسلي [ 58 \ 21 ] ، وكقوله : ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون [ 37 \ 171 - 173 ] ، وقوله تعالى : فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم [ 14 \ 13 - 14 ] ، وبين تعالى أن هذا النصر في دار الدنيا أيضا كما في هذه الآية الأخيرة ، وكما في [ ص: 213 ] قوله : إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا الآية [ 40 \ 51 ] .

والذي يظهر في الجواب من هذا أن الرسل قسمان : قسم أمروا بالقتال في سبيل الله ، وقسم أمروا بالصبر والكف عن الناس ، فالذين أمروا بالقتال وعدهم الله بالنصر والغلبة في الآيات المذكورة ، والذين أمروا بالكف والصبر هم الذين قتلوا ليزيد الله رفع درجاتهم العلية بقتلهم مظلومين ، وهذا الجمع مفهوم من الآيات لأن النصر والغلبة فيه الدلالة بالالتزام على جهاد ومقاتلة ، ولا يرد على هذا الجمع قوله تعالى : وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير الآية [ 3 \ 146 ] .

وأما على قراءة " قاتل " بصيغة الماضي من فاعل فالأمر واضح ، وأما على قراءة " قتل " بالبناء للمفعول فنائب الفاعل قوله : " ربيون " لا ضمير " نبي " وتطرق الاحتمال يرد الاستدلال ، وأما على القول بأن غلبة الرسل ونصرتهم بالحجة والبرهان ، فلا إشكال في الآية ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية