[ ص: 288 ] بسم الله الرحمن الرحيم 
سورة الأعراف 
قوله تعالى : فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين   . 
هذه الآية الكريمة تدل على أن الله يسأل جميع الناس يوم القيامة ، ونظيرها قوله تعالى : 
فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون   [ 15 \ 92 - 93 ] ، وقوله : 
وقفوهم إنهم مسئولون   [ 37 \ 24 ] ، وقوله : 
ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين   [ 28 \ 65 ] . 
وقد جاءت آيات أخر تدل على خلاف ذلك ، كقوله : 
فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان   [ 55 \ 39 ] ، وكقوله : 
ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون   [ 28 \ 78 ] . 
والجواب عن هذا من ثلاثة أوجه : 
الأول : وهو أوجهها لدلالة القرآن عليه هو أن السؤال قسمان : 
سؤال توبيخ وتقريع وأداته غالبا : لم ، وسؤال استخبار واستعلام وأداته غالبا : هل ، فالمثبت هو سؤال التوبيخ والتقريع ، والمنفي هو سؤال الاستخبار والاستعلام ، وجه دلالة القرآن على هذا أن سؤاله لهم المنصوص في كله توبيخ وتقريع كقوله : 
وقفوهم إنهم مسئولون ما لكم لا تناصرون   [ 37 24 - 25 ] ، وقوله : 
أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون   [ 52 \ 15 ] ، 
ألم يأتكم رسل منكم   [ 39 \ 71 ] ، وكقوله : 
ألم يأتكم نذير   [ 67 \ 8 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . 
وسؤال الله للرسل : 
ماذا أجبتم   [ 5 \ 109 ] لتوبيخ الذين كذبوهم كسؤال الموءودة : 
بأي ذنب قتلت   [ 81 \ 9 ] لتوبيخ قاتلها .  
[ ص: 289 ] الوجه الثاني : أن في القيامة مواقف متعددة ، ففي بعضها يسألون ، وفي بعضها لا يسألون . 
الوجه الثالث : هو ما ذكره 
الحليمي  من أن إثبات السؤال محمول على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل وعدم السؤال محمول على ما يستلزمه الإقرار بالنبوات من شرائع الدين وفروعه ، ويدل لهذا قوله تعالى : 
فيقول ماذا أجبتم المرسلين   [ 28 \ 65 ] ، والعلم عند الله تعالى . 
قوله تعالى : 
قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك   . 
في هذه الآية إشكال بين قوله : منعك مع لا النافية لأن المناسب في الظاهر لقوله : منعك بحسب ما يسبق إلى ذهن السامع لا ما في نفس الأمر ، هو حذف لا فيقول : 
ما منعك أن تسجد دون 
ألا تسجد ، وأجيب عن هذا بأجوبة : من أقربها هو ما اختاره 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير  في تفسيره ، وهو أن بالكلام حذفا دل المقام عليه . 
وعليه فالمعنى : 
ما منعك من السجود ، فأحوجك 
ألا تسجد إذ أمرتك ، وهذا الذي اختاره 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير  ، قال 
ابن كثير    : إنه حسن قوي . 
ومن أجوبتهم أن " لا " صلة ويدل قوله تعالى في سورة " ص " 
ما منعك أن تسجد لما خلقت الآية [ 38 ] ، وقد وعدنا فيما مضى أنا إن شاء الله نبين القول بزيادة " لا " مع شواهده العربية في الجمع بين قوله : 
لا أقسم بهذا البلد   [ 90 ] ، وبين قوله : 
وهذا البلد الأمين   [ 95 \ 3 ] . 
قوله تعالى : 
قل إن الله لا يأمر بالفحشاء   . 
هذه الآية الكريمة يتوهم خلاف ما دلت عليه من ظاهر آية أخرى ، وهي قوله تعالى : 
وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها الآية [ 17 \ 16 ] . 
والجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه : 
الأول : وهو أظهرها أن معنى قوله : 
أمرنا مترفيها أي بطاعة الله وتصديق الرسل 
ففسقوا ، أي بتكذيب الرسل ومعصية الله تعالى ، فلا إشكال في الآية أصلا .  
[ ص: 290 ] الثاني : أن الأمر في قوله : 
أمرنا مترفيها أمر كوني قدري لا أمر شرعي ، أي قدرنا عليهم الفسق بمشيئتنا ، والأمر الكوني القدري كقوله تعالى : 
كونوا قردة خاسئين   [ 2 65 ] ، 
إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون   [ 36 \ 82 ] ، والأمر في قوله : 
قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أمر شرعي ديني فظهر أن الأمر المنفي غير الأمر المثبت . 
الوجه الثالث : أن معنى : 
أمرنا مترفيها   : أي كثرناهم حتى بطروا النعمة 
ففسقوا ، ويدل لهذا المعنى الحديث الذي أخرجه الإمام 
أحمد  مرفوعا من حديث 
سويد بن هبيرة  رضي الله عنه : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007977خير مال امرئ مهرة مأمورة أو سكة مأبورة فقوله : " مأمورة " أي كثيرة النسل ، وهي محل الشاهد . 
قوله تعالى : 
فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم الآية . 
وأمثالها من الآيات كقوله : 
نسوا الله فنسيهم   [ 9 \ 67 ] ، وقوله : 
وكذلك اليوم تنسى   [ 20 \ 126 ] ، وقوله : 
وقيل اليوم ننساكم الآية [ 45 34 ] ، لا يعارض قوله تعالى : 
لا يضل ربي ولا ينسى   [ 20 \ 52 ] ، وقوله : 
وما كان ربك نسيا   [ 19 \ 64 ] ؛ لأن معنى : 
فاليوم ننساهم ونحوه ، أي نتركهم في العذاب محرومين من كل خير ، والله تعالى أعلم . 
قوله تعالى . 
فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين الآية . 
هذه الآية تدل على شبه العصا بالثعبان وهو لا يطلق إلا على الكبير من الحيات ، وقد جاءت آية أخرى تدل على خلاف ذلك ، وهي قوله تعالى : 
فلما رآها تهتز كأنها جان الآية [ 27 \ 10 ] ، لأن الجان هو الحية الصغيرة . 
والجواب عن هذا أنه شبهها بالثعبان في عظم خلقتها ، وبالجان في اهتزازها وخفتها وسرعة حركتها ، فهي جامعة بين العظم ، وخفة الحركة على خلاف العادة .