[ ص: 352 ] بسم الله الرحمن الرحيم 
سورة النور 
قوله تعالى : 
الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين هذه الآية الكريمة تدل على تحريم 
نكاح الزواني والزناة على الأعفاء والعفائف ، ويدل لذلك قوله : 
محصنات غير مسافحات الآية [ 4 \ 25 ] ، وقوله : 
محصنين غير مسافحين الآية [ 4 \ 24 ] . 
وقد جاءت آيات أخر تدل بعمومها على خلاف ذلك كقوله تعالى : 
وأنكحوا الأيامى منكم الآية [ 24 ] ، وقوله : 
وأحل لكم ما وراء ذلكم   [ 4 \ 24 ] . 
والجواب عن هذا مختلف فيه ، اختلافا مبنيا على الاختلاف في حكم تزوج العفيف للزانية أو العفيفة للزاني ، فمن يقول هو حرام ، يقول : هذه الآية مخصصة لعموم : 
وأنكحوا الأيامى منكم وعموم : 
وأحل لكم ما وراء ذلكم   . 
والذين يقولون بعدم المنع ، وهم الأكثر ، أجابوا بأجوبة : 
منها أنها منسوخة بقوله : 
وأنكحوا الأيامى منكم واقتصر صاحب الإتقان على النسخ ، وممن قال بالنسخ : 
 nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب   nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي    . 
ومنها أن النكاح في هذه الآية الوطء ، وعليه فالمراد بالآية أن الزاني لا يطاوعه على فعله ويشاركه في مراده إلا زانية مثله ، أو مشركة لا ترى حرمة الزنا . 
ومنها أن هذا خاص ، لأنه كان في نسوة بغايا كان الرجل يتزوج إحداهن على أن تنفق عليه مما كسبته من الزنا ، لأن ذلك هو سبب نزول الآية ، فزعم بعضهم أنها مختصة بذلك السبب بدليل قوله : 
وأحل لكم الآية ، وقوله : 
وأنكحوا الأيامى الآية ، وهذا أضعفها ، والله تعالى أعلم .  
[ ص: 353 ] قوله تعالى : 
الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات   . 
هذه الآية الكريمة نزلت في براءة أم المؤمنين 
عائشة  رضي الله عنها مما رميت به ، وذلك يؤيد ما قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=16327عبد الرحمن بن زيد بن أسلم  من أن معناها : الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء ، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال ، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء ، أي فلو كانت 
عائشة  رضي الله عنها غير طيبة لما جعلها الله زوجة لأطيب الطيبين صلوات الله عليه وسلامه . 
وعلى هذا فالآية الكريمة يظهر تعارضها مع قوله تعالى : 
ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط   - إلى قوله - 
مع الداخلين   [ 66 \ 10 ] . 
وقوله أيضا : 
وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون الآية [ 66 \ 11 ] . 
إذ الآية الأولى دلت على خبث الزوجتين الكافرتين مع أن زوجيهما من أطيب الطيبين ، وهما 
نوح  ولوط  عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام ، والآية الثانية دلت على طيب 
امرأة فرعون  مع خبث زوجها . 
والجواب أن في معنى الآية وجهين للعلماء : 
الأول : وبه قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  وروي عن 
مجاهد  وعطاء   nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير   nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي   nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري   nindex.php?page=showalam&ids=15683وحبيب بن أبي ثابت  والضحاك  ، كما نقله عنهم 
ابن كثير  واختاره 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير    : أن معناها الخبيثات من القول ، للخبيثين من الرجال والخبيثون من الرجال للخبيثات من القول ، والطيبات من القول للطيبين من الرجال والطيبون من الرجال للطيبات من القول ، أي فما نسبه أهل النفاق إلى 
عائشة  من كلام خبيث هم أولى به ، وهي أولى بالبراءة والنزاهة منهم ، ولذا قال تعالى : 
أولئك مبرءون مما يقولون   [ 24 \ 26 ] ، وعلى هذا الوجه فلا تعارض أصلا بين الآيات . 
الوجه الثاني : هو ما قدمنا عن 
عبد الرحمن بن زيد  ، وعليه فالإشكال ظاهر بين الآيات ، والذي يظهر لمقيده عفا الله عنه أن قوله 
الخبيثات للخبيثين إلى آخره على هذا القول من العام المخصوص ، بدليل امرأة 
نوح  وامرأة 
فرعون    .  
[ ص: 354 ] وعليه فالغالب تقييض كل من الطيبات والطيبين والخبيثات والخبيثين لجنسه وشكله الملائم له في الخبث أو الطيب ، مع أنه تعالى ربما قيض خبيثة لطيب كامرأة 
نوح  ولوط  ، أو طيبة لخبيث كامرأة 
فرعون  لحكمة بالغة ، كما دل عليه قوله : 
ضرب الله مثلا للذين كفروا وقوله : 
وضرب الله مثلا للذين آمنوا مع قوله : 
وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون   [ 29 \ 43 ] . 
فدل ذلك على أن تقييض الخبيثة للطيب أو الطيبة للخبيث فيه حكمة لا يعقلها إلا العلماء ، وهي في تقييض الخبيثة للطيب أن يبين للناس أن 
القرابة من الصالحين لا تنفع الإنسان ، وإنما ينفعه عمله ، ألا ترى أن أعظم ما يدافع عنه الإنسان زوجته ، وأكرم الخلق على الله رسله ، فدخول 
امرأة نوح  وامرأة لوط  النار ، كما قال تعالى : 
فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين   [ 66 \ 10 ] فيه أكبر واعظ وأعظم زاجر عن الاغترار بالقرابة من الصالحين والأعلام ، بأن الإنسان إنما ينفعه عمله : 
ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به الآية [ 4 \ 123 ] . 
كما أن دخول امرأة 
فرعون  الجنة يعلم منه أن الإنسان إذا دعته الضرورة لمخالطة الكفار من غير اختياره ، وأحسن عمله وصبر على القيام بدينه أنه يدخل الجنة ولا يضره خبث الذين يخالطهم ويعاشرهم ، فالخبيث خبيث وإن خالط الصالحين ، كامرأة 
نوح  ولوط  ، والطيب طيب وإن خالط الأشرار كامرأة 
فرعون  ، ولكن 
مخالطة الأشرار لا تجوز اختيارا ، كما دلت عليه أدلة أخر . 
قوله تعالى : 
حتى إذا جاءه لم يجده شيئا   . 
لا يخفى ما يسبق إلى الذهن فيه من أن الضمير في قوله : " جاءه " يدل على شيء موجود واقع عليه المجيء ، لأن وقوع المجيء على العدم لا يعقل ، ومعلوم أن الصفة الإضافية لا تتقوم إلا بين متضائفين ، فلا تدرك إلا بإدراكهما ، فلا يعقل وقوع المجيء بالفعل إلا بإدراك فاعل وقع منه المجيء ، وقوله تعالى : 
لم يجده شيئا يدل على عدم وجود شيء يقع عليه المجيء في قوله تعالى : " جاءه " . 
والجواب عن هذا من وجهين ، ذكرهما 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير  في تفسير هذه الآية ، قال : فإن قائل : وكيف قيل : 
حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ، فإن لم يكن السراب شيئا ، فعلام   
[ ص: 355 ] دخلت الهاء في قوله : 
حتى إذا جاءه ؟ . 
قيل : إنه شيء يرى من بعيد كالضباب الذي يرى كثيفا من بعيد ، والهباء فإذا قرب منه دق وصار كالهواء ، وقد يحتمل أن يكون معناه : حتى إذا جاء موضع السراب لم يجد السراب شيئا ، فاكتفى بذكر السراب عن ذكر موضعه ، انتهى منه بلفظه . 
والوجه الأول أظهر عندي وعنده بدليل قوله ، وقد يحتمل أن يكون معناه . . . إلخ . 
قوله تعالى : 
فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم   . 
هذه الآية الكريمة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم له الإذن لمن شاء ، وقوله تعالى : 
عفا الله عنك لم أذنت لهم الآية [ 9 \ 43 ] يوهم خلاف ذلك . 
والجواب ظاهر ، وهو أنه صلى الله عليه وسلم له الإذن لمن شاء من أصحابه الذين كانوا معه على أمر جامع ، كصلاة جمعة أو عيد أو جماعة أو اجتماع في مشورة ونحو ذلك ، كما بينه تعالى بقوله : 
وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم   [ 24 \ 62 ] . 
وأما 
الإذن في خصوص التخلف عن الجهاد ، فهو الذي بين الله لرسوله أن الأولى فيه ألا يبادر بالإذن حتى يتبين له الصادق في عذره من الكاذب ، وذلك في قوله تعالى : 
عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين   [ 9 : 43 ] . 
فظهر أن لا منافاة بين الآيات ، والعلم عند الله تعالى .