صفحة جزء
المسألة الثامنة : إذا اشترك محرمون في قتل صيد بأن باشروا قتله كلهم ، كما إذا حذفوه بالحجارة والعصي حتى مات ، فقال مالك وأبو حنيفة : على كل واحد منهم جزاء كامل ، كما لو قتلت جماعة واحدا ، فإنهم يقتلون به جميعا ; لأن كل واحد قاتل .

وكذلك هنا كل واحد قاتل صيدا فعليه جزاء ، وقال الشافعي ومن وافقه : عليهم كلهم جزاء واحد ; لقضاء عمر ، وعبد الرحمن ، قاله القرطبي ، ثم قال أيضا : وروى الدارقطني : أن موالي لابن الزبير أحرموا فمرت بهم ضبع فحذفوها بعصيهم فأصابوها ، [ ص: 442 ] فوقع في أنفسهم ، فأتوا ابن عمر ، فذكروا له ذلك ، فقال : عليكم كلكم كبش ، قالوا : أوعلى كل واحد منا كبش ؟ قال : إنكم لمعزز بكم عليكم كلكم كبش . قال اللغويون : لمعزز بكم أي لمشدد عليكم .

وروي عن ابن عباس في قوم أصابوا ضبعا فقال : عليهم كبش يتخارجونه بينهم ، ودليلنا قول الله سبحانه : ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ، وهذا خطاب لكل قاتل . وكل واحد من القاتلين الصيد قاتل نفسا على التمام والكمال ; بدليل قتل الجماعة بالواحد ، ولولا ذلك ما وجب عليهم القصاص ، وقد قلنا بوجوبه إجماعا منا ومنهم ، فثبت ما قلناه .

وقال أبو حنيفة : إذا قتل جماعة صيدا في الحرم وهم محلون ; فعليهم جزاء واحد ، بخلاف ما لو قتله المحرمون في الحل أو الحرم ; فإن ذلك لا يختلف .

وقال مالك : على كل واحد منهم جزاء كامل ; بناء على أن الرجل يكون محرما بدخوله الحرم ، كما يكون محرما بتلبيته بالإحرام ، وكل واحد من الفعلين قد أكسبه صفة تعلق بها نهي ، فهو هاتك لها في الحالتين .

وحجة أبي حنيفة ما ذكره القاضي أبو زيد الدبوسي ، قال : السر فيه أن الجناية في الإحرام على العبادة ، وقد ارتكب كل واحد منهم محظور إحرامه .

وإذا قتل المحلون صيدا في الحرم ، فإنما أتلفوا دابة محترمة ، بمنزلة ما لو أتلف جماعة دابة ; فإن كل واحد منهم قاتل دابة ، ويشتركون في القيمة ، قال ابن العربي : وأبو حنيفة أقوى منا ، وهذا الدليل يستهين به علماؤنا وهو عسير الانفصال علينا . اهـ . من القرطبي .

التالي السابق


الخدمات العلمية