قوله تعالى : فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين   . 
لم يبين هنا الشيء المسئول عنه المرسلون ، ولا الشيء المسئول عنه الذين أرسل إليهم . 
وبين في مواضع أخر أنه يسأل المرسلين عما أجابتهم به أممهم ، ويسأل الأمم عما أجابوا به رسلهم . 
قال في الأول : 
يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم   [ 5 \ 109 ] .  
[ ص: 7 ] وقال في الثاني : 
ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين   [ 28 \ 65 ] . 
وبين في موضع آخر أنه يسأل جميع الخلق عما كانوا يعملون ، وهو قوله تعالى : 
فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون   [ 15 \ 92 ، 93 ] . 
وهنا إشكال معروف : وهو أنه تعالى قال هنا : 
فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين   [ 7 \ 6 ] ، وقال أيضا : 
فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ، وقال : 
وقفوهم إنهم مسئولون   [ 37 \ 24 ] ، وهذا صريح في 
إثبات سؤال الجميع يوم القيامة ، مع أنه قال : 
ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون   [ 28 \ 78 ] ، وقال : 
فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان   [ 55 \ 39 ] . 
وقد بينا وجه الجمع بين الآيات المذكورة في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ) وسنزيده إيضاحا هنا إن شاء الله تعالى . 
اعلم أولا : أن السؤال المنفي في الآيات المذكورة ، أخص من السؤال المثبت فيها ; لأن السؤال المنفي فيها مقيد بكونه سؤالا عن ذنوب خاصة ، فإنه قال : 
ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون   [ 28 \ 78 ] فخصه بكونه عن الذنوب ، وقال : 
فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان فخصه بذلك أيضا ، فيتضح من ذلك أن 
سؤال الرسل والموءودة مثلا ليس عن ذنب فعلوه فلا مانع من وقوعه   ; لأن المنفي خصوص السؤال عن ذنب ، ويزيد ذلك إيضاحا قوله تعالى : 
ليسأل الصادقين عن صدقهم الآية [ 5 \ 119 ] ، وقوله بعد سؤاله 
لعيسى  المذكور في قوله : 
أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله الآية [ 33 \ 8 ] ، 
قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم الآية [ 33 \ 8 ] ، والسؤال عن الذنوب المنفي في الآيات : المراد به سؤال الاستخبار والاستعلام ; لأنه جل وعلا محيط علمه بكل شيء ، ولا ينافي نفي هذا النوع من السؤال ثبوت نوع آخر منه هو سؤال التوبيخ والتقريع ; لأنه نوع من أنواع العذاب ، ويدل لهذا أن 
سؤال الله للكفار في القرآن كله توبيخ وتقريع كقوله : 
وقفوهم إنهم مسئولون ما لكم لا تناصرون   . 
وقوله : 
أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون   [ 52 \ 15 ] . إلى غير ذلك من الآيات وباقي أوجه الجمع مبين في كتابنا المذكور ، والعلم عند الله تعالى .