صفحة جزء
قوله تعالى : ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار الآية .

هذه الآية الكريمة وأمثالها من آيات الصفات كقوله : يد الله فوق أيديهم [ 48 \ 10 ] ونحو ذلك ; أشكلت على كثير من الناس إشكالا ضل بسببه خلق لا يحصى كثرة ، فصار قوم إلى التعطيل وقوم إلى التشبيه ، سبحانه وتعالى علوا كبيرا عن ذلك كله والله جل وعلا أوضح هذا غاية الإيضاح ، ولم يترك فيه أي لبس ولا إشكال ، وحاصل تحرير ذلك أنه جل وعلا بين أن الحق في آيات الصفات متركب من أمرين :

أحدهما : تنزيه الله جل وعلا عن مشابهة الحوادث في صفاتهم سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا .

والثاني : الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه في كتابه ، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ; لأنه لا يصف الله أعلم بالله من الله : أأنتم أعلم أم الله [ 2 \ 140 ] ، ولا يصف الله بعد الله أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي قال فيه : وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى [ 53 \ 3 ، 4 ] فمن نفى عن الله وصفا أثبته لنفسه في كتابه العزيز ، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم زاعما أن ذلك الوصف يلزمه ما لا يليق بالله جل وعلا ، فقد جعل نفسه أعلم من الله ورسوله بما يليق بالله جل وعلا . سبحانك هذا بهتان عظيم .

ومن اعتقد أن وصف الله يشابه صفات الخلق ، فهو مشبه ملحد ضال ، ومن أثبت لله ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم مع تنزيهه جل وعلا عن مشابهة الخلق ، فهو مؤمن جامع بين الإيمان بصفات الكمال والجلال ، والتنزيه عن مشابهة الخلق ، سالم من ورطة التشبيه والتعطيل ، والآية التي أوضح الله بها هذا . هي قوله تعالى : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [ 42 \ 11 ] فنفى عن نفسه جل وعلا مماثلة الحوادث بقوله : ليس كمثله شيء وأثبت لنفسه صفات الكمال والجلال بقوله : وهو السميع البصير فصرح في هذه الآية الكريمة بنفي المماثلة مع الإتصاف بصفات الكمال والجلال .

والظاهر أن السر في تعبيره بقوله : وهو السميع البصير دون أن يقول مثلا : [ ص: 19 ] وهو العلي العظيم أو نحو ذلك من الصفات الجامعة ; أن السمع والبصر يتصف بهما جميع الحيوانات ، فبين أن الله متصف بهما ، ولكن وصفه بهما على أساس نفي المماثلة بين وصفه تعالى ، وبين صفات خلقه ، ولذا جاء بقوله : وهو السميع البصير بعد قوله : ليس كمثله شيء ففي هذه الآية الكريمة إيضاح للحق في آيات الصفات لا لبس معه ولا شبهة البتة ، وسنوضح إن شاء الله هذه المسألة إيضاحا تاما بحسب طاقتنا ، وبالله جل وعلا التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية