صفحة جزء
[ ص: 112 ] بسم الله الرحمن الرحيم

سورة التوبة

اعلم أولا أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكتبوا سطر بسم الله الرحمن الرحيم في سورة " براءة " ، هذه في المصاحف العثمانية ، واختلف العلماء في سبب سقوط البسملة منها على أقوال :

منها : أن البسملة رحمة وأمان و " براءة " نزلت بالسيف ، فليس فيها أمان ، وهذا القول مروي عن علي رضي الله عنه ، وسفيان بن عيينة .

ومنها : أن ذلك على عادة العرب إذا كتبوا كتابا فيه نقض عهد أسقطوا منه البسملة ، فلما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه ليقرأها عليهم في الموسم ، قرأها ، ولم يبسمل على عادة العرب في شأن نقض العهد ، نقل هذا القول بعض أهل العلم ، ولا يخفى ضعفه .

ومنها : أن الصحابة لما اختلفوا : هل " براءة " و " الأنفال " سورة واحدة أو سورتان ، تركوا بينهما فرجة لقول من قال : إنهما سورتان ، وتركوا البسملة لقول من قال : هما سورة واحدة ، فرضي الفريقان وثبتت حجتاهما في المصحف .

ومنها : أن سورة " براءة " نسخ أولها فسقطت معه البسملة ، وهذا القول رواه ابن وهب ، وابن القاسم ، وابن عبد الحكم ، عن مالك ، كما نقله القرطبي .

وعن ابن عجلان ، وسعيد بن جبير ، أنها كانت تعدل سورة " البقرة " .

وقال القرطبي : والصحيح أن البسملة لم تكتب في هذه السورة ; لأن جبريل لم ينزل بها فيها . قاله القشيري . اهـ .

قال مقيده عفا الله عنه : أظهر الأقوال عندي في هذه المسألة : أن سبب سقوط البسملة في هذه السورة ، هو ما قاله عثمان رضي الله عنه لابن عباس .

فقد أخرج النسائي ، والترمذي ، وأبو داود ، والإمام أحمد ، وابن حبان ، في " صحيحه " والحاكم في " المستدرك " وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه : عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قلت لعثمان : ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي [ ص: 113 ] من المثاني وإلى براءة وهي من المائين فقرنتم بينهما ، ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم [ 1 \ 1 ] ووضعتموهما في السبع الطول فما حملكم على ذلك ؟

فقال عثمان رضي الله عنه : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان إذا أنزل عليه شيء يدعو بعض من يكتب عنده ، فيقول : " ضعوا هذا في السورة التي فيها كذا وكذا " ، وتنزل عليه الآيات فيقول : " ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا " ، وكانت " الأنفال " من أوائل ما أنزل بالمدينة ، و " براءة " من آخر ما أنزل من القرآن ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها ، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يبين لنا أنها منها فظننت أنها منها ، فمن ثم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم [ 1 \ 1 ] ، ووضعتها في السبع الطول . اهـ .

تنبيهان

الأول : يؤخذ من هذا الحديث أن ترتيب آيات القرآن بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو كذلك بلا شك ، كما يفهم منه أيضا : أن ترتيب سوره بتوقيف أيضا ، فيما عدا سورة " براءة " ، وهو أظهر الأقوال ، ودلالة الحديث عليه ظاهرة .

التنبيه الثاني : قال أبو بكر بن العربي المالكي رحمه الله تعالى : في هذا الحديث دليل على أن القياس أصل في الدين : ألا ترى إلى عثمان وأعيان الصحابة كيف لجئوا إلى قياس الشبه عند عدم النص ، ورأوا أن قصة " براءة " شبيهة بقصة " الأنفال " فألحقوها بها ، فإذا كان القياس يدخل في تأليف القرآن ، فما ظنك بسائر الأحكام .

التالي السابق


الخدمات العلمية