صفحة جزء
قوله تعالى : فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة : أنه أمر نبيه لوطا أن يسري بأهله بقطع من الليل ، ولم يبين هنا هل هو من آخر الليل ، أو وسطه أو أوله ، ولكنه بين في " القمر " أن ذلك من آخر الليل وقت السحر ، وذلك في قوله : إلا آل لوط نجيناهم بسحر [ 54 \ 34 ] ، ولم يبين هنا أنه أمره أن يكون من ورائهم وهم أمامه ، ولكنه بين ذلك في [ ص: 191 ] " الحجر " بقوله : فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون [ 15 \ 65 ] ، وقوله تعالى : ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم [ 11 \ 81 ] ، قرأه جمهور القراء إلا امرأتك ، بالنصب ، وعليه فالأمر واضح ; لأنه استثناء من الأهل ، أي أسر بأهلك إلا امرأتك فلا تسر بها ، واتركها في قومها فإنها هالكة معهم .

ويدل لهذا الوجه قوله فيها في مواضع : كانت من الغابرين [ 29 \ 32 ، 33 ] ، والغابر : الباقي ، أي من الباقين في الهلاك .

وقرأ أبو عمرو ، وابن كثير : إلا امرأتك بالرفع على أنه بدل من أحد ، وعليه فالمعنى : أنه أمر لوطا أن ينهى جميع أهله عن الالتفات إلا امرأته فإنه أوحي إليه أنها هالكة لا محالة ، ولا فائدة في نهيها عن الالتفات لكونها من جملة الهالكين .

وعلى قراءة الجمهور فهو لم يسر بها ، وظاهر قراءة أبي عمرو ، وابن كثير : أنه أسرى بها والتفتت فهلكت .

قال بعض العلماء : لما سمعت هدة العذاب التفتت ، وقالت : واقوماه ، فأدركها حجر فقتلها .

قال مقيده عفا الله عنه : الظاهر أن وجه الجمع بين القراءتين المذكورتين أن السر في أمر لوط بأن يسري بأهله هو النجاة من العذاب الواقع صبحا بقوم لوط ، وامرأة لوط مصيبها ذلك العذاب الذي أصاب قومها لا محالة ، فنتيجة إسراء لوط بأهله لم تدخل فيها امرأته على كلا القولين ، وما لا فائدة فيه كالعدم ، فيستوي معنى أنه تركها ولم يسر بها أصلا ، وأنه أسرى بها وهلكت مع الهالكين .

فمعنى القولين راجع إلى أنها هالكة ، وليس لها نفع في إسراء لوط بأهله ، فلا فرق بين كونها بقيت معهم ، أو خرجت وأصابها ما أصابهم .

فإذا كان الإسراء مع لوط لم ينجها من العذاب ، فهي ومن لم يسر معه سواء ، والعلم عند الله تعالى .

وقوله : فأسر بأهلك [ 11 \ 81 ] ، قرأه نافع وابن كثير : " فاسر " بهمزة وصل ، من سرى يسري ، وقرأه جمهور القراء : فأسر بأهلك بقطع الهمزة ، من أسرى الرباعي على وزن أفعل ، وسرى وأسرى : لغتان وقراءتان صحيحتان سبعيتان ، ومن سرى الثلاثية ، قوله تعالى : والليل إذا يسري [ 89 \ 4 ] ، فإن فتح ياء يسر يدل على أنه مضارع سرى [ ص: 192 ] الثلاثية .

وجمع اللغتين قول نابغة ذبيان :


أسرت عليه من الجوزاء سارية تزجي الشمال عليها جامد البرد

فإنه قال : أسرت ، رباعية في أشهر روايتي البيت ، وقوله : سارية ، اسم فاعل " سرى " الثلاثية ، وجمعهما أيضا قول الآخر :


حتى النضيرة ربة الخدر     أسرت إليك ولم تكن تسري

بفتح تاء " تسري " واللغتان كثيرتان جدا في كلام العرب ، ومصدر الرباعية الإسراء على القياس ، ومصدر الثلاثية السرى بالضم على وزن فعل بضم ففتح على غير قياس ، ومنه قول عبد الله بن رواحة :


عند الصباح يحمد القوم السرى     وتنجلي عنهم غيابات الكرى



التالي السابق


الخدمات العلمية