صفحة جزء
قوله تعالى : فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون .

أخبر الله تعالى في هذه الآية الكريمة أنه أوحى إلى يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أنه سينبئ إخوته بهذا الأمر الذي فعلوا به في حال كونهم لا يشعرون .

ثم صرح في هذه السورة الكريمة بأنه جل وعلا أنجز ذلك الوعد في قوله : قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون [ 12 \ 89 ] .

وصرح بعدم شعورهم بأنه يوسف في قوله : وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون [ 12 \ 58 ] .

وهذا الذي ذكرنا أن العامل في الجملة الحالية هو قوله : لتنبئنهم [ 12 \ 15 ] ، أى : لتخبرنهم بأمرهم هذا في حال كونهم لا يشعرون بأنك يوسف ، هو الظاهر .

وقيل : إن عامل الحال هو قوله : وأوحينا إليه [ 12 \ 15 ] ، وعليه فالمعنى : أن ذلك الإيحاء وقع في حال كونهم لا يشعرون بأنه أوحي إليه ذلك .

وقرأ هذه الآية جمهور القراء : غيابة الجب [ 12 \ 15 ] بالإفراد ، وقرأ نافع " غيابات الجب " بصيغة الجمع ، وكل شيء غيب عنك شيئا فهو غيابة ، ومنه قيل للقبر [ ص: 205 ] غيابة ، ومنه قول الشاعر :


وإن أنا يوما غيبتني غيابتي فسيروا بسيري في العشيرة والأهل

والجمع في قراءة نافع نظرا إلى تعدد أجزاء قعر الجب التي تغيب الداخل فيها عن العيان .

واختلف العلماء في جواب " لما " من قوله فلما ذهبوا به أمثبت هو أم محذوف ؟

فقيل : هو مثبت ، وهو قوله : قالوا ياأبانا إنا ذهبنا نستبق الآية [ 12 \ 17 ] ، أي : لما كان كذا وكذا قالوا ياأبانا واستحسن هذا الوجه أبو حيان .

وقيل : جواب " لما " هو قوله : أوحينا [ 12 \ 15 ] والواو صلة ، وهذا مذهب الكوفيين ، تزاد عندهم الواو في جواب " لما ، وحتى ، وإذا " ، وعلى ذلك خرجوا قوله تعالى : فلما أسلما وتله للجبين وناديناه الآية [ 37 \ 103 ، 104 ] ، وقوله : حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها الآية [ 39 \ 73 ] ، وقول امرئ القيس :


فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى     بنا بطن حقف ذي ركام عقنقل

أي : لما أجزنا ساحة الحي انتحى .

وقيل : جواب " لما " محذوف ، وهو قول البصريين ، واختلف في تقديره ، فقيل : إن تقديره فعلوا به ما فعلوا من الأذى .

وقدره بعضهم : فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب عظمت فتنتهم .

وقدره بعضهم : فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب جعلوه فيها .

واستظهر هذا الأخير أبو حيان ; لأن قوله : وأجمعوا أن يجعلوه [ 12 \ 15 ] يدل على هذا المقدر . والعلم عند الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية