صفحة جزء
مسألة

اختلف العلماء في الدم الذي تراه الحامل هل هو حيض ، أو دم فساد ؟ فذهب مالك ، والشافعي في أصح قوليه إلى أنه حيض ، وبه قال قتادة والليث ، وروي عن الزهري ، وإسحاق وهو الصحيح عن عائشة . وذهب الإمام أبو حنيفة ، والإمام أحمد إلى أنه دم فساد ، وعلة ، وأن الحامل لا تحيض ، وبه قال جمهور التابعين منهم سعيد بن المسيب ، وعطاء ، والحسن ، وجابر بن زيد ، وعكرمة ، ومحمد بن المنكدر ، والشعبي ، ومكحول ، وحماد ، والثوري ، والأوزاعي ، وابن المنذر ، وأبو عبيد ، وأبو ثور .

واحتج من قال : إن الدم الذي تراه الحامل حيض بأنه دم بصفات الحيض في زمن إمكانه ، وبأنه متردد بين كونه فسادا لعلة أو حيضا ، والأصل السلامة من العلة ، فيجب استصحاب الأصل .

واحتج من قال بأنه دم فساد بأدلة ، منها : ما جاء في بعض روايات حديث ابن عمر في طلاقه امرأته في الحيض أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر : " مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا ، أو حاملا " ، وهذه الرواية أخرجها أحمد ، ومسلم ، وأصحاب السنن الأربعة ، قالوا : قد جعل صلى الله عليه وسلم الحمل علامة على عدم الحيض ، كما جعل الطهر علامة لذلك .

ومنها : حديث : " لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة " ، رواه أحمد ، وأبو داود ، والحاكم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه ، وصححه الحاكم وله شواهد ، قالوا : فجعل صلى الله عليه وسلم الحيض علامة على براءة الرحم فدل ذلك على أنه لا يجتمع مع الحمل .

ومنها : أنه دم في زمن لا يعتاد فيه الحيض غالبا فكان غير حيض قياسا على ما تراه اليائسة بجامع غلبة عدم الحيض في كل منهما .

وقد قال الإمام أحمد رحمه الله : " إنما يعرف النساء الحمل بانقطاع الدم " .

ومنها : أنه لو كان دم حيض ما انتفت عنه لوازم الحيض ، فلما انتفت عنه دل ذلك على أنه غير حيض ; لأن انتفاء اللازم يوجب انتفاء الملزوم ، فمن لازم الحيض حرمة [ ص: 234 ] الطلاق ، ودم الحامل لا يمنع طلاقها ، للحديث المذكور آنفا الدال على إباحة طلاق الحامل والطاهر ، ومن لازم الحيض أيضا انقضاء العدة به ، ودم الحامل لا أثر له في انقضاء عدتها لأنها تعتد بوضع حملها لقوله تعالى : وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن [ 65 \ 4 ] وفي هذه الأدلة مناقشات ذكر بعضها النووي في شرح المهذب .

واعلم أن مذهب مالك التفصيل في أكثر حيض الحامل ، فإن رأته في شهرها الثالث إلى انتهاء الخامس تركت الصلاة نصف شهر ونحوه - وفسروا نحوه بزيادة خمسة أيام - فتجلس عشرين يوما ، فإن حاضت في شهرها السادس فما بعده تركت الصلاة عشرين يوما ونحوها - وفسروا نحوها بزيادة خمسة أيام - فتجلس خمسا وعشرين ، وفسره بعضهم بزيادة عشرة ، فتجلس شهرا ، فإن حاضت الحامل قبل الدخول في الشهر الثالث ، فقيل : حكمه حكم الحيض في الثالث وقد تقدم .

وقيل : حكمه حكم حيض غير الحامل ، فتجلس قدر عادتها وثلاثة أيام استظهارا .

وإلى هذه المسألة أشار خليل بن إسحاق المالكي في مختصره بقوله : ولحامل بعد ثلاثة أشهر النصف ، ونحوه ، وفي ستة فأكثر عشرون يوما ونحوها ، وهل ما قبل الثلاثة كما بعدها أو كالمعتاد ؟ قولان .

هذا هو حاصل كلام العلماء في أقل الحيض وأكثره ، وأقل الطهر وأكثره ، وأدلتهم في ذلك ، ومسائل الحيض كثيرة ، وقد بسط العلماء الكلام عليها في كتب الفروع .

التالي السابق


الخدمات العلمية