قوله تعالى : 
وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ، اعلم أولا : " أن قصد السبيل " [ 16 \ 9 ] : هو الطريق المستقيم القاصد ، الذي لا اعوجاج فيه ، وهذا المعنى معروف في كلام العرب ، ومنه قول 
زهير بن أبي سلمى المزني    :   
[ ص: 336 ] صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله وعري أفراس الصبا     ورواحله وأقصرت عما تعلمين وسددت 
علي سوى قصد السبيل معادله 
وقول 
امرئ القيس    : 
ومن الطريقة جائر وهدى     قصد السبيل ومنه ذو دخل 
فإذا علمت ذلك ، فاعلم أن في معنى الآية الكريمة وجهين معروفين للعلماء ، وكل منهما له مصداق في كتاب الله ، إلا أن أحدهما أظهر عندي من الآخر . الأول منهما : أن معنى ( 
وعلى الله قصد السبيل   : أن طريق الحق التي هي قصد السبيل على الله ، أي : موصلة إليه ، ليست حائدة ، ولا جائرة عن الوصول إليه وإلى مرضاته ، ( 
ومنها جائر   ) أي : ومن الطريق جائر لا يصل إلى الله ، بل هو زائغ وحائد عن الوصول إليه ، ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى : ( 
وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله   ) ، وقوله : ( 
وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم   ) . ويؤيد هذا التفسير قوله بعده : 
ومنها جائر وهذا الوجه أظهر عندي ، واستظهره 
ابن كثير  وغيره ، وهو قول 
مجاهد    . الوجه الثاني : أن معنى الآية الكريمة : ( 
وعلى الله قصد السبيل   ) ، أي : عليه جل وعلا أن يبين لكم طريق الحق على ألسنة رسله . ويدل لهذا الوجه قوله تعالى : ( 
رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، وقوله : ( 
وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ، وقوله : ( 
فإنما على رسولنا البلاغ المبين   ) ، إلى غير ذلك من الآيات . وعلى هذا القول ، فمعنى قوله : ( 
ومنها جائر   ) ، غير واضح لأن المعنى : ومن الطريق جائر عن الحق ، وهو الذي نهاكم الله عن سلوكه . والجائر : المائل عن طريق الحق ، والوجهان المذكوران في هذه الآية جاريان في قوله : ( 
إن علينا للهدى   . . . ) الآية . قوله تعالى ( 
ولو شاء لهداكم أجمعين   ) بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه لو شاء هداية جميع خلقه لهداهم أجمعين ، وأوضح هذا المعنى في آيات أخر ، كقوله :   
[ ص: 337 ] ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين   [ 6 \ 35 ] ، وقوله : 
ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها   . . . [ 32 \ 13 ] ، وقوله : 
ولو شاء الله ما أشركوا   [ 6 \ 107 ] ، وقوله : 
ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا   . . . الآية [ 10 \ 99 ] ، وقوله : 
ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة   . . . الآية [ 11 \ 118 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . وقد قدمنا هذا في " سورة يونس " .