قوله تعالى : 
وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ،   
[ ص: 343 ] ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أنه سخر البحر ، أي : ذلله لعباده حتى تمكنوا من ركوبه ، والانتفاع بما فيه من الصيد والحلية ، وبلوغ الأقطار التي تحول دونها البحار ، للحصول على أرباح التجارات ونحو ذلك . 
فتسخير البحر للركوب من أعظم آيات الله كما بينه في مواضع أخر ; كقوله : 
وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون   [ 36 \ 41 ، 42 ] ، وقوله : 
الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون   [ 45 \ 12 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . 
وذكر في هذه الآية أربع نعم من 
نعمه على خلقه بتسخير البحر لهم   : 
الأولى : قوله : 
لتأكلوا منه لحما طريا   [ 16 \ 14 ] ، وكرر الامتنان بهذه النعمة في القرآن ; كقوله : 
أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة الآية [ 5 \ 96 ] ، وقوله : 
ومن كل تأكلون لحما طريا الآية [ 35 \ 12 ] . 
الثانية : قوله : 
وتستخرجوا منه حلية تلبسونها   [ 16 \ 14 ] ، وكرر الامتنان بهذه النعمة أيضا في القرآن ; كقوله : 
يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فبأي آلاء ربكما تكذبان   [ 55 \ 22 ، 23 ] ، واللؤلؤ والمرجان : هما الحلية التي يستخرجونها من البحر للبسها ، وقوله : 
ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها   [ 35 \ 12 ] . 
الثالثة : قوله تعالى : 
وترى الفلك مواخر فيه   [ 16 \ 14 ] ، وكرر في القرآن الامتنان بشق أمواج البحر على السفن ، كقوله : 
وخلقنا لهم من مثله ما يركبون وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون الآية [ 36 \ 42 ] ، وقوله : 
وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره   [ 14 \ 32 ] . 
الرابعة : الابتغاء من فضله بأرباح التجارات بواسطة الحمل على السفن المذكور في قوله هنا : 
ولتبتغوا من فضله   [ 16 \ 14 ] ، أي : كأرباح التجارات . وكرر في القرآن الامتنان بهذه النعمة أيضا . 
كقوله في " سورة البقرة " : 
والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس   [ 2 \ 164 ] ، وقوله في " فاطر " : 
وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون   [ 35 \ 12 ] ، وقوله في " الجاثية " : 
الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون   [ 45 \ 12 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .