صفحة جزء
المسألة السادسة : أما لبس الرجال خواتم الفضة فهو جائز بلا شك ، وأدلته معروفة في السنة ، ومن أوضحها خاتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الفضة المنقوش فيه : " محمد رسول الله " ، الذي كان يلبسه بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان . حتى سقط في بئر أريس كما هو ثابت في الصحيحين . أما لبس الرجال لغير الخاتم من الفضة ففيه خلاف بين العلماء ، وسنوضح هذه المسألة إن شاء الله .

اعلم أولا : أن الرجل إذا لبس من الفضة مثل ما يلبسه النساء من الحلي : كالخلخال ، والسوار ، والقرط ، والقلادة ، ونحو ذلك ، فهذا لا ينبغي أن يختلف في منعه ; لأنه تشبه [ ص: 353 ] بالنساء ، ومن تشبه بهن من الرجال فهو ملعون على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما مر آنفا . وكل من كان ملعونا على لسانه - صلى الله عليه وسلم - فهو ملعون في كتاب الله ، كما قال ابن مسعود - رضي الله عنه - ; لأن الله يقول : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [ 59 \ 7 ] ، وأما غير ذلك كجعل الرجل الفضة في الثوب ، واستعمال الرجل شيئا محلى بأحد النقدين ; فجماهير العلماء منهم الأئمة الأربعة على أن ذلك ممنوع ، مع الإجماع على جواز تختم الرجل بخاتم الفضة . والاختلاف في أشياء : كالمنطقة ، وآلة الحرب ونحوه ، والمصحف . والاتفاق على جعل الأنف من الذهب وربط الأسنان بالذهب والفضة . وسنذكر بعض النصوص من فروع المذاهب الأربعة في ذلك .

قال خليل بن إسحاق المالكي في مختصره الذي قال في ترجمته مبينا لما به الفتوى ما نصه : وحرم استعمال ذكر محلى ولو منطقة وآلة حرب ; إلا السيف والأنف ، وربط سن مطلقا ، وخاتم فضة ; لا ما بعضه ذهب ولو قل ، وإناء نقد واقتناؤه وإن لامرأة . وفي المغشى ، والمموه ، والمضبب ، وذي الحلقة ، وإناء الجوهر ، قولان . وجاز للمرأة الملبوس مطلقا ولو نعلا لا كسرير . انتهى الغرض من كلام خليل مع اختلاف في بعض المسائل التي ذكرها عند المالكية . وقال صاحب تبيين الحقائق في مذهب الإمام أبي حنيفة ما نصه : ولا يتحلى الرجل بالذهب والفضة ، إلا بالخاتم والمنطقة وحلية السيف من الفضة . اهـ .

وقال النووي في شرح المهذب في مذهب الشافعي : " فصل فيما يحل ويحرم من الحلي : " فالذهب أصله على التحريم في حق الرجال ، وعلى الإباحة للنساء - إلى أن قال : وأما الفضة فيجوز للرجل التختم بها ، وهل له ما سوى الخاتم من حلي الفضة : كالدملج ، والسوار ، والطوق ، والتاج ; فيه وجهان . قطع الجمهور بالتحريم . انتهى محل الغرض من كلام النووي . وقال ابن قدامة في المقنع في مذهب الإمام أحمد : ويباح للرجال من الفضة الخاتم ، وفي حلية المنطقة روايتان ، وعلى قياسها الجوشن والخوذة والخف والران والحمائل . ومن الذهب قبيعة السيف . ويباح للنساء من الذهب والفضة كل ما جرت عادتهن بلبسه قل أو كثر . انتهى محل الغرض من المقنع .

فقد ظهر من هذه النقول : أن الأئمة الأربعة في الجملة متفقون على منع استعمال المحلى بالذهب أو الفضة من ثوب أو آلة أو غير ذلك ، إلا في أشياء استثنوها على اختلاف بينهم في بعضها . وقال بعض العلماء : لا يمنع لبس شيء من الفضة . واستدل من قال بهذا بأمرين : أحدهما : أنها لم يثبت فيها تحريم . قال صاحب الإنصاف في شرح قول صاحب [ ص: 354 ] المقنع : وعلى قياسها الجوشن والخوذة إلخ ، ما نصه : وقال صاحب الفروع فيه : ولا أعرف على تحريم الفضة نصا عن أحمد . وكلام شيخنا يدل على إباحة لبسها للرجال ، إلا ما دل الشرع على تحريمه - انتهى . وقال الشيخ تقي الدين أيضا : لبس الفضة إذا لم يكن فيه لفظ عام لم يكن لأحد أن يحرم منه ، إلا ما قام الدليل الشرعي على تحريمه ، فإذا أباحت السنة خاتم الفضة دل على إباحة ما في معناه ، وما هو أولى منه بالإباحة ، وما لم يكن كذلك فيحتاج إلى نظر في تحليله وتحريمه ، والتحريم يفتقر إلى دليل ، والأصل عدمه . ونصره صاحب الفروع ، ورد جميع ما استدل به الأصحاب . انتهى كلام صاحب الإنصاف .

الأمر الثاني : حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يدل على ذلك . قال أبو داود في سننه : حدثنا عبد الله بن مسلمة ، حدثنا عبد العزيز - يعني ابن محمد - عن أسيد بن أبي أسيد البراد ، عن نافع بن عياش ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أحب أن يحلق حبيبه حلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب ، ومن أحب أن يطوق حبيبه طوقا من نار فليطوقه طوقا من ذهب ، ومن أحب أن يسور حبيبه سوارا من نار فليسوره سوارا من ذهب ، ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها " هذا لفظ أبي داود .

قال مقيده - عفا الله عنه - : الذي يظهر لي - والله أعلم - أن هذا الحديث لا دليل فيه على إباحة لبس الفضة للرجال . ومن استدل بهذا الحديث على جواز لبس الرجال للفضة فقد غلط ; بل معنى الحديث : أن الذهب كان حراما على النساء ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى الرجال عن تحلية نسائهم بالذهب ، وقال لهم : " العبوا بالفضة " ، أي : حلوا نساءكم منها بما شئتم . ثم بعد ذلك نسخ تحريم الذهب على النساء . والدليل على هذا الذي ذكرنا أمور :

الأول : أن الحديث ليس في خطاب الرجال بما يلبسونه بأنفسهم ; بل بما يحلون به أحبابهم ، والمراد نساؤهم ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فيه : " من أحب أن يحلق حبيبه " ، " أن يطوق حبيبه " ، " أن يسور حبيبه " ، ولم يقل : من أحب أن يحلق نفسه ، ولا أن يطوق نفسه ، ولا أن يسور نفسه ; فدل ذلك دلالة واضحة لا لبس فيها على أن المراد بقوله : " فالعبوا بها " ، أي : حلوا بها أحبابكم كيف شئتم ; لارتباط آخر الكلام بأوله .

الأمر الثاني : أنه ليس من عادة الرجال أن يلبسوا حلق الذهب ، ولا أن يطوقوا بالذهب ، ولا يتسوروا به في الغالب ; فدل ذلك على أن المراد بذلك من شأنه لبس الحلقة [ ص: 355 ] والطوق والسوار من الذهب ، وهن النساء بلا شك .

الأمر الثالث : أن أبا داود - رحمه الله - قال بعد الحديث المذكور متصلا به : حدثنا مسدد ، ثنا أبو عوانة ، عن منصور ، عن ربعي بن خراش ، عن امرأته ، عن أخت لحذيفة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يا معشر النساء ، أما لكن في الفضة ما تحلين به ، أما إنه ليس منكن امرأة تحلى ذهبا تظهره إلا عذبت به " .

حدثنا موسى بن إسماعيل ، ثنا أبان بن يزيد العطار ، ثنا يحيى أن محمد بن عمرو الأنصاري ، حدثه أن أسماء بنت يزيد حدثته : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أيما امرأة تقلدت قلادة من ذهب قلدت في عنقها مثله من النار يوم القيامة ، وأيما امرأة جعلت في أذنها خرصا من ذهب جعل في أذنها مثله من النار يوم القيامة " .

فهذان الحديثان يدلان على أن المراد بالحديث الأول : منع الذهب للنساء ، وأن قوله : " فالعبوا بها " معناه : فحلوا نساءكم من الفضة بما شئتم كما هو صريح في الحديثين الأخيرين . وهذا واضح جدا كما ترى .

ويدل له أن الحافظ البيهقي - رحمه الله - ذكر الأحاديث الثلاثة المذكورة التي من جملتها : " وعليكم بالفضة فالعبوا بها " ، في سياق الأحاديث الدالة على تحريم الذهب على النساء أولا دون الفضة ، ثم بعد ذلك ذكر الأحاديث الدالة على النسخ ، ثم قال : واستدللنا بحصول الإجماع على إباحته لهن على نسخ الأخبار الدالة على تحريمه فيهن خاصة . والله أعلم انتهى .

ومن جملة تلك الأحاديث المذكورة ، حديث : " فالعبوا بها " ، وهو واضح جدا فيما ذكرنا . فإن قيل : قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المذكور : " يحلق حبيبه " ، " أن يطوق حبيبه " ، " أن يسور حبيبه " ، يدل على أن المراد ذكر ; لأنه لو أراد الأنثى لقال : حبيبته بتاء الفرق بين الذكر والأنثى .

فالجواب : أن إطلاق الحبيب على الأنثى باعتبار إرادة الشخص الحبيب مستفيض في كلام العرب لا إشكال فيه ; ومنه قول حسان بن ثابت - رضي الله عنه - :

منع النوم بالعشاء الهموم وخيال إذا تغار النجوم     من حبيب أصاب قلبك منه سقم
فهو داخل مكتوم



ومراده بالحبيب أنثى ; بدليل قوله بعده : [ ص: 356 ]

لم تفتها شمس النهار بشيء     غير أن الشباب ليس يدوم



وقول كثير عزة :

لئن كان برد الماء هيمان     صاديا إلي حبيبا إنها لحبيب



ومثل هذا كثير في كلام العرب ، فلا نطيل به الكلام .

قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الذي يظهر لي من كتاب الله - جل وعلا - وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - : أن لبس الفضة حرام على الرجال ، وأن من لبسها منهم في الدنيا لم يلبسها في الآخرة . وإيضاح ذلك أن البخاري قال في صحيحه في باب : " لبس الحرير للرجال وقدر ما يجوز منه " : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن ابن أبي ليلى ، قال : كان حذيفة بالمدائن فاستسقى فأتاه دهقان بماء في إناء من فضة ، فرماه به ، وقال : إني لم أرمه إلا أني نهيته فلم ينته ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الذهب والفضة والحرير والديباج هي لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة " ، فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الصحيح : " الذهب ، والفضة ، والحرير : والديباج ; هي لهم في الدنيا ولكم في الآخرة " ، يدخل في عمومه تحريم لبس الفضة ; لأن الثلاث المذكورات معها يحرم لبسها بلا خلاف . وما شمله عموم نص ظاهر من الكتاب والسنة لا يجوز تخصيصه إلا بنص صالح للتخصيص ; كما تقرر في علم الأصول .

فإن قيل : الحديث وارد في الشرب في إناء الفضة لا في لبس الفضة ؟ .

فالجواب : أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب ، لا سيما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر في الحديث ما لا يحتمل غير اللبس : كالحرير ، والديباج .

فإن قيل : جاء في بعض الروايات الصحيحة ما يفسر هذا ، ويبين أن المراد بالفضة الشرب في آنيتها لا لبسها ; قال البخاري في صحيحه " باب الشرب في آنية الذهب " ، حدثنا حفص بن عمر ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن ابن أبي ليلى قال : كان حذيفة بالمدائن فاستسقى ، فأتاه دهقان بقدح فضة ، فرماه به ، فقال : إني لم أرمه ، إلا أني نهيته فلم ينته ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن الحرير والديباج ، والشرب في آنية الذهب والفضة ، وقال : " هن لهم في الدنيا ولكم في الآخرة " ، " باب آنية الفضة " ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن ابن عون ، عن مجاهد ، عن ابن أبي ليلى ، قال : خرجنا مع حذيفة وذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تلبسوا الحرير والديباج ; فإنها لهم في الدنيا [ ص: 357 ] ولكم في الآخرة " ، انتهى .

فدل هذا التفصيل - الذي هو النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة ، والنهي عن لبس الحرير والديباج - : على أن ذلك هو المراد بما في الرواية الأولى ، وإذن فلا حجة في الحديث على منع لبس الفضة ; لأنه تعين بهاتين الروايتين أن المراد الشرب في آنيتها لا لبسها ; لأن الحديث حديث واحد .

فالجواب من ثلاثة أوجه :

الأول : أن الرواية المتقدمة عامة بظاهرها في الشرب واللبس معا ، والروايات المقتصرة على الشرب في آنيتها دون اللبس ذاكرة بعض أفراد العام ، ساكتة عن بعضها . وقد تقرر في الأصول : " أن ذكر بعض أفراد العام بحكم العام لا يخصصه " ، وهو الحق كما بيناه في غير هذا الموضع . وإليه أشار في مراقي السعود بقوله عاطفا على ما لا يخصص به العموم على الصحيح :


وذكر ما وافقه من مفرد     ومذهب الراوي على المعتمد



الوجه الثاني : أن التفصيل المذكور لو كان هو مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - لكان الذهب لا يحرم لبسه ، وإنما يحرم الشرب في آنيته فقط ، كما زعم مدعي ذلك التفصيل في الفضة ; لأن الروايات التي فيها التفصيل المذكور : " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة " ، فظاهرها عدم الفرق بين الذهب والفضة . ولبس الذهب حرام إجماعا على الرجال .

الوجه الثالث : وهو أقواها ، ولا ينبغي لمن فهمه حق الفهم أن يعدل عنه ; لظهور وجهه ، هو : أن هذه الأربعة المذكورة في هذا الحديث ، التي هي : الذهب ، والفضة ، والحرير ، والديباج ، صرح النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها للكفار في الدنيا ، وللمسلمين في الآخرة ، فدل ذلك على أن من استمتع بها من الدنيا لم يستمتع بها في الآخرة ، وقد صرح - جل وعلا - في كتابه العزيز بأن أهل الجنة يتمتعون بالذهب والفضة من جهتين :

إحداهما : الشراب في آنيتهما .

والثانية : التحلي بهما . وبين أن أهل الجنة يتنعمون بالحرير والديباج من جهة واحدة وهي لبسها ، وحكم الاتكاء عليهما داخل في حكم لبسهما . فتعين تحريم الذهب والفضة من الجهتين المذكورتين . وتحريم الحرير والديباج من الجهة الواحدة ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - الثابت في الروايات الصحيحة في الأربعة المذكورة : " هي لهم في الدنيا ، ولكم في [ ص: 358 ] الآخرة " ; لأنه لو أبيح التمتع بالفضة في الدنيا والآخرة ; لكان ذلك معارضا لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " هي لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة " ، وسنوضح ذلك - إن شاء الله تعالى - من كتاب الله - جل وعلا - .

اعلم أولا : أن الديباج هو المعبر عنه في كتاب الله بالسندس والإستبرق . فالسندس : رقيق الديباج . والإستبرق : غليظه .

فإذا علمت ذلك ; فاعلم أن الله - جل وعلا - بين تنعم أهل الجنة بلبس الذهب والديباج الذي هو السندس والإستبرق في " سورة الكهف " ، في قوله : أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق الآية [ 18 \ 31 ] ، فمن لبس الذهب والديباج في الدنيا منع من هذا التنعم بهما المذكور في " الكهف " .

ذكر - جل وعلا - تنعم أهل الجنة بلبس الحرير والذهب في " سورة الحج " ، في قوله : إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد . [ 22 \ 23 - 24 ] .

وبين أيضا تنعمهم بلبس الذهب والحرير في " سورة فاطر " ، في قوله : جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن . الآية [ 35 \ 33 ، 34 ] ، فمن لبس الذهب والحرير في الدنيا منع من هذا التنعم بهما المذكور في " سورة الحج وفاطر " .

وذكر - جل وعلا - تنعمهم بلبس الحرير في " سورة الإنسان " ، في قوله : وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا [ 76 \ 12 ] ، وفي " الدخان " بقوله إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق الآية [ 44 \ 51 - 53 ] ، فمن لبس الحرير في الدنيا منع من هذا التنعم به المذكور في " سورة الإنسان والدخان " .

وذكر - جل وعلا - تنعمهم بالاتكاء على الفرش التي بطائنها " من إستبرق " في " سورة الرحمن " ، بقوله : متكئين على فرش بطائنها من إستبرق . الآية [ 55 \ 54 ] . فمن اتكأ على الديباج في الدنيا منع هذا التنعم المذكور في " سورة الرحمن " .

وذكر - جل وعلا - تنعم أهل الجنة بلبس الديباج ، الذي هو السندس والإستبرق ولبس [ ص: 359 ] الفضة في " سورة الإنسان " أيضا ، في قوله : عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا [ 76 \ 21 ] .

فمن لبس الديباج أو الفضة في الدنيا منع من التنعم بلبسهما المذكور في " سورة الإنسان " ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " هي لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة " ، فلو أبيح لبس الفضة في الدنيا مع قوله في نعيم أهل الجنة : وحلوا أساور من فضة [ 76 \ 21 ] ; لكان ذلك مناقضا لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " هي لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة " .

وذكر تنعم أهل الجنة بالشرب في آنية الذهب في " سورة الزخرف " ، في قوله تعالى : يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب الآية [ 43 \ 71 ] ، فمن شرب في الدنيا في أواني الذهب منع من هذا التنعم بها المذكور في " الزخرف " .

وذكر - جل وعلا - تنعم أهل الجنة بالشرب في آنية الفضة في " سورة الإنسان " ، في قوله : ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قوارير قوارير من فضة قدروها تقديرا ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا [ 76 \ 15 - 18 ] ، فمن شرب في آنية الفضة في الدنيا منع هذا التنعم بها المذكور في " سورة الإنسان " ، فقد ظهر بهذا المصنف دلالة القرآن والسنة الصحيحة على منع لبس الفضة . والعلم عند الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية