قوله تعالى : 
ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر ، أقسم - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أنه يعلم أن الكفار يقولون : إن هذا القرآن الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس وحيا من الله ، وإنما تعلمه من بشر من الناس . 
وأوضح هذا المعنى في غير هذا الموضع ، كقوله : 
وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا   [ 25 \ 5 ] ، وقوله : 
إن هذا إلا سحر يؤثر   [ 74 \ 24 ] ،   
[ ص: 454 ] أي : يرويه 
محمد    - صلى الله عليه وسلم - عن غيره ، وقوله : 
وليقولوا درست الآية [ 6 \ 105 ] ، كما تقدم في ( الأنعام ) . 
وقد اختلف العلماء في تعيين هذا البشر الذي زعموا أنه يعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد صرح القرآن بأنه أعجمي اللسان ; فقيل : هو غلام 
الفاكه بن المغيرة  ، واسمه 
جبر  ، وكان نصرانيا فأسلم . وقيل : اسمه 
يعيش عبد لبني الحضرمي  ، وكان يقرأ الكتب الأعجمية . وقيل : غلام 
لبني عامر بن لؤي    . وقيل : هما غلامان : اسم أحدهما 
يسار  ، واسم الآخر 
جبر  ، وكانا صيقليين يعملان السيوف ، وكانا يقرآن كتابا لهم . وقيل : كانا يقرآن التوراة والإنجيل ، إلى غير ذلك من الأقوال . 
وقد بين - جل وعلا - كذبهم وتعنتهم في قولهم : 
إنما يعلمه بشر   [ 16 \ 103 ] ، بقوله : 
لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين   [ 16 \ 103 ] ، أي : كيف يكون تعلمه من ذلك البشر ، مع أن ذلك البشر أعجمي اللسان . وهذا القرآن عربي مبين فصيح ، لا شائبة فيه من العجمة ; فهذا غير معقول . 
وبين شدة تعنتهم أيضا بأنه لو جعل القرآن أعجميا لكذبوه أيضا وقالوا : كيف يكون هذا القرآن أعجميا مع أن الرسول الذي أنزل عليه عربي ; وذلك في قوله : 
ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي   [ 41 \ 44 ] ، أي : أقرآن أعجمي ، ورسول عربي . فكيف ينكرون أن القرآن أعجمي والرسول عربي ، ولا ينكرون أن المعلم المزعوم أعجمي ، مع أن القرآن المزعوم تعليمه له عربي . 
كما بين تعنتهم أيضا ، بأنه لو نزل هذا القرآن العربي المبين ، على أعجمي فقرأه عليهم عربيا لكذبوه أيضا ، مع ذلك الخارق للعادة ; لشدة عنادهم وتعنتهم ، وذلك في قوله : 
ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين   [ 26 \ 198 - 199 ] . 
وقوله في هذه الآية الكريمة : يلحدون ، أي : يميلون عن الحق . والمعنى لسان البشر الذي يلحدون ، أي : يميلون قولهم عن الصدق والاستقامة إليه ; أعجمي غير بين ، وهذا 
القرآن لسان عربي مبين ، أي : ذو بيان وفصاحة . وقرأ هذا الحرف 
حمزة   nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي    : يلحدون ، بفتح الياء والحاء ، من لحد الثلاثي . وقرأه الباقون : يلحدون ، بضم الياء والحاء ، من لحد الثلاثي . وقرأه الباقون : يلحدون ، بضم الياء وكسر الحاء من ألحد الرباعي ، وهما لغتان ، والمعنى واحد ، أي :   
[ ص: 455 ] يميلون عن الحق إلى الباطل . وأما يلحدون ، التي في ( الأعراف ) ، والتي في ( فصلت ) فلم يقرأهما بفتح الياء والحاء إلا 
حمزة  وحده دون 
 nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي    . وإنما وافقه 
 nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي  في هذه التي في ( النحل ) وأطلق اللسان على القرآن ; لأن العرب تطلق اللسان وتريد به الكلام ; فتؤنثها وتذكرها . ومنه قول 
أعشى  باهلة : 
إني أتتني لسان لا أسر بها من علو لا عجب فيها ولا سخر 
وقول الآخر : 
لسان الشر تهديها إلينا     وخنت وما حسبتك أن تخونا 
وقول الآخر : 
أتتني لسان بني عامر     أحاديثها بعد قول نكر 
ومنه قوله تعالى : 
واجعل لي لسان صدق في الآخرين   [ 26 \ 84 ] ، أي : ثناء حسنا باقيا . ومن إطلاق اللسان بمعنى الكلام مذكرا قول الحطيئة : 
ندمت على لسان فات مني فليت بأنه في جوف عكم .