قوله تعالى 
من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن من اهتدى فعمل بما يرضي الله جل وعلا ، أن اهتداءه ذلك إنما هو لنفسه ، لأنه هو الذي ترجع إليه فائدة ذلك الاهتداء ، وثمرته في الدنيا والآخرة ، وأن من ضل عن طريق الصواب فعمل بما يسخط ربه جل وعلا ، أن ضلاله ذلك إنما هو على نفسه ، لأنه هو الذي يجني ثمرة عواقبه السيئة الوخيمة ، فيخلد به في النار . 
وبين هذا المعنى في مواضع كثيرة ، كقوله : 
من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها الآية [ 41 \ 46 ] ، وقوله : 
من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون   [ 30 \ 44 ] ، وقوله : 
قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ   [ 6 \ 104 ] ، وقوله : 
فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل   [ 10 \ 108 ] ،   
[ ص: 64 ] والآيات بمثل هذا كثيرة جدا ، وقد قدمنا طرفا منها في سورة " النحل " . 
قوله تعالى : 
ولا تزر وازرة وزر أخرى   . 
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه 
لا تحمل نفس ذنب أخرى ، بل لا تحمل نفس إلا ذنبها . 
فقوله : 
ولا تزر   [ 17 \ 15 ] ، أي لا تحمل ، من وزر يزر إذا حمل ، ومنه سمي وزير السلطان ، لأنه يحمل أعباء تدبير شئون الدولة ، والوزر : الإثم ، يقال : وزر يزر وزرا ، إذا أثم . والوزر أيضا : الثقل المثقل ، أي : لا تحمل نفس وازرة ، أي : آثمة وزر نفس أخرى . أي إثمها ، أو حملها الثقيل ، بل لا تحمل إلا وزر نفسها . 
وهذا المعنى جاء في آيات أخر ; كقوله : 
ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى   [ 35 \ 18 ] ، وقوله : 
ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم الآية [ 6 \ 164 ] ، وقوله : 
تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ، إلى غير ذلك من الآيات . 
وقد قدمنا في سورة " النحل " بإيضاح : أن هذه الآيات لا يعارضها قوله تعالى : 
وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم الآية [ 29 \ 13 ] ، ولا قوله : 
ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم الآية [ 16 \ 25 ] ; لأن المراد بذلك أنهم حملوا أوزار ضلالهم في أنفسهم ، وأوزار إضلالهم غيرهم ; لأن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها ، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا ، كما تقدم مستوفى .