قوله تعالى : 
ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا 
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : 
مدحورا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها   [ 17 \ 19 ] أي عمل لها عملها الذي تنال به ، وهو امتثال أمر الله ، واجتناب نهيه بإخلاص على الوجه المشروع : وهو مؤمن [ 17 \ 19 ] أي موحد لله جل وعلا ، غير مشرك به ولا كافر به ، فإن الله يشكر سعيه ، بأن يثيبه الثواب الجزيل عن عمله القليل . 
وفي الآية الدليل على أن 
الأعمال الصالحة لا تنفع إلا مع الإيمان بالله   . 
لأن 
الكفر سيئة لا تنفع معها حسنة ، لأنه شرط في ذلك قوله : 
وهو مؤمن   [ 17 \ 19 ] . 
وقد أوضح تعالى هذا في آيات كثيرة ; كقوله : 
ومن يعمل من الصالحات من   [ ص: 82 ] ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا   [ 4 \ 124 ] ، وقوله : 
من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون   [ 16 \ 97 ] وقوله : 
من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب   [ 40 \ 40 ] إلى غير ذلك من الآيات . 
ومفهوم هذه الآيات أن غير المؤمنين إذا أطاع الله بإخلاص لا ينفعه ذلك ; لفقد شرط القبول الذي هو الإيمان بالله جل وعلا . 
وقد أوضح جل وعلا هذا المفهوم في آيات أخر ; كقوله في أعمال غير المؤمنين : وقدمنا 
إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا   [ 25 \ 23 ] ، وقوله : 
مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف الآية [ 14 \ 18 ] ، وقوله : 
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا الآية [ 24 \ 39 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . 
وقد بين جل وعلا في مواضع أخر : أن عمل الكافر الذي يتقرب به إلى الله يجازى به في الدنيا ، ولا حظ له منه في الآخرة . كقوله : 
من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون   [ 11 \ 15 ، 16 ] ، وقوله تعالى : 
من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب   [ 42 \ 20 ] . 
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ما جاءت به هذه الآيات : من انتفاع الكافر بعمله في الدنيا من حديث 
أنس  ، قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بن الحجاج  رحمه الله في صحيحه : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11997وزهير بن حرب    - واللفظ 
لزهير    - قالا : حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون  ، أخبرنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17258همام بن يحيى  ، عن 
قتادة  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007982إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها الآخرة ، وأما الكافر فيطعم بحسناته ما عمل بها لله في الدنيا ، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها   " . 
حدثنا 
عاصم بن النضر التيمي  ، حدثنا 
معتمر  قال : سمعت أبي ، حدثنا 
قتادة   [ ص: 83 ] عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك    : أنه حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007983إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة من الدنيا ، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة ، ويعقبه رزقا في الدنيا على طاعته   " . 
حدثنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=17270محمد بن عبد الله الرازي  ، أخبرنا 
 nindex.php?page=showalam&ids=16505عبد الوهاب بن عطاء  ، عن 
سعيد  ، عن 
قتادة  ، عن 
أنس  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديثهما . 
واعلم أن هذا الذي ذكرنا أدلته من الكتاب والسنة من أن 
الكافر ينتفع بعمله الصالح في الدنيا : 
كبر الوالدين ، وصلة الرحم ، وإكرام الضيف والجار ، والتنفيس عن المكروب ونحو ذلك ، كله مقيد بمشيئة الله تعالى ، كما نص على ذلك بقوله : 
من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد الآية [ 17 \ 18 ] . 
فهذه الآية الكريمة مقيدة لما ورد من الآيات والأحاديث ، وقد تقرر في الأصول أن المقيد يقضي على المطلق ، ولا سيما إذا اتحد الحكم والسبب كما هنا ، وأشار له في " مراقي السعود " بقوله : 
وحمل مطلق على ذاك وجب إن فيهما اتحد حكم والسبب