صفحة جزء
مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة

المسألة الأولى : يفهم من قوله : مظلوما أن من قتل غير مظلوم ليس لوليه سلطان على قاتله ، وهو كذلك ; لأن من قتل بحق فدمه حلال ، ولا سلطان لوليه في قتله ، كما قدمنا بذلك حديث ابن مسعود المتفق عليه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة " كما تقدم إيضاحه في سورة " المائدة " .

وبينا هذا المفهوم في قوله : مظلوما يظهر به بيان المفهوم في قوله أيضا [ ص: 89 ] ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق [ 17 \ 33 ] .

واعلم أنه قد ورد في بعض الأدلة أسباب أخر لإباحة قتل المسلم غير الثلاث المذكورة ، على اختلاف في ذلك بين العلماء . من ذلك : المحاربون إذا لم يقتلوا أحدا . عند من يقول بأن الإمام مخير بين الأمور الأربعة المذكورة في قوله : أن يقتلوا أو يصلبوا الآية [ 5 \ 33 ] ، كما تقدم إيضاحه مستوفى في سورة " المائدة " .

ومن ذلك : قتل الفاعل والمفعول به في فاحشة اللواط ، وقد قدمنا الأقوال في ذلك وأدلتها بإيضاح في سورة " هود " .

وأما قتل الساحر فلا يبعد دخوله في قتل الكافر المذكور في قوله : " التارك لدينه المفارق للجماعة " لدلالة القرآن على كفر الساحر في قوله تعالى : وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر الآية [ 2 \ 102 ] ، وقوله : وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر الآية [ 2 \ 102 ] ، وقوله : ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق [ 2 \ 102 ] .

وأما قتل مانع الزكاة فإنه إن أنكر وجوبها فهو كافر مرتد داخل في " التارك لدينه المفارق للجماعة " ، وأما إن منعها وهو مقر بوجوبها فالذي يجوز فيه : القتال لا القتل ، وبين القتال والقتل فرق واضح معروف .

وأما ما ذكره بعض أهل العلم من أن من أتى بهيمة يقتل هو وتقتل البهيمة معه لحديث أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه " . قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " : رواه أبو يعلى ، وفيه محمد بن عمرو بن علقمة ، وحديثه حسن ، وبقية رجاله ثقات ، ورواه ابن ماجه من طريق داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا .

وأكثر أهل العلم على أنه لا يقتل ; لأن حصر ما يباح به دم المسلم في الثلاث المذكورة في حديث ابن مسعود المتفق عليه أولى بالتقديم من هذا الحديث ، مع التشديد العظيم في الكتاب والسنة في قتل المسلم بغير حق ، إلى غير ذلك من المسائل المذكورة في الفروع .

قال مقيده عفا الله عنه : هذا الحصر في الثلاث المذكورة في حديث ابن مسعود [ ص: 90 ] الثابت في الصحيح لا ينبغي أن يزاد عليه ، إلا ما ثبت بوحي ثبوتا لا مطعن فيه ، لقوته ، والعلم عند الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية