المسألة السادسة : 
هل يجوز للمضطر أن يدفع ضرورته بشرب الخمر ؟ فيه للعلماء أربعة أقوال : الأول : المنع مطلقا . 
الثاني : الإباحة مطلقا . 
الثالث : الإباحة في حالة الاضطرار إلى التداوي بها دون العطش . 
الرابع : عكسه . 
وأصح هذه الأقوال عند الشافعية المنع مطلقا . 
قال مقيده عفا الله عنه : الظاهر أن 
التداوي بالخمر لا يجوز ; لما رواه 
مسلم  في " صحيحه " من حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=101وائل بن حجر  رضي الله عنه : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007088أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأله طارق بن سويد الجعفي  عن الخمر فنهاه ، أو كره أن يصنعها فقال : إنما أصنعها للدواء ، فقال : " إنه ليس بدواء ولكنه داء " والظاهر إباحتها ; لإساغة غصة خيف بها الهلاك ; وعليه جل أهل العلم ، والفرق بين إساغة الغصة وبين شربها للجوع أو العطش أن إزالتها للغصة معلومة ، وأنها لا يتيقن إزالتها للجوع أو العطش . 
قال 
الباجي    : وهل لمن يجوز له أكل الميتة أن يشرب لجوعه أو عطشه الخمر ؟ قال 
مالك    : لا يشربها ولن تزيده إلا عطشا . 
وقال 
ابن القاسم    : يشرب المضطر الدم ولا 
يشرب الخمر ، ويأكل الميتة ولا يقرب ضوال الإبل ، وقاله 
ابن وهب    . 
وقال 
ابن حبيب    : 
من غص بطعام ، وخاف على نفسه ، فإن له أن يجوزه بالخمر ، وقاله 
أبو الفرج    . 
أما التداوي بها فمشهور المذهب أنه لا يحل : وإذا قلنا : إنه لا يجوز التداوي بها ، ويجوز استعمالها لإساغة الغصة فالفرق أن التداوي بها لا يتيقن به البرء من الجوع والعطش . اه . بنقل المواق في شرح قول 
خليل    : وخمر لغصة ، وما نقلنا عن 
مالك  من أن الخمر لا تزيد إلا عطشا ، نقل نحوه 
النووي  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  ، قال : وقد نقل 
الروياني  أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي    - رحمه الله - نص على المنع من شربها   
[ ص: 71 ] للعطش ; معللا بأنها تجيع وتعطش . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب    : سألت من يعرف ذلك فقال : الأمر كما قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي    : إنها تروي في الحال ، ثم تثير عطشا عظيما . 
وقال 
القاضي حسين  في " تعليقه " : قالت الأطباء : الخمر تزيد في العطش وأهل الشرب يحرصون على الماء البارد ، فجعل بما ذكرناه أنها لا تنفع في دفع العطش . 
وحصل بالحديث الصحيح السابق في هذه المسألة أنها لا تنفع في الدواء فثبت تحريمها مطلقا ، والله تعالى أعلم . ا ه من " شرح المهذب " . 
وبه تعلم أن ما اختاره 
 nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12441وإمام الحرمين  من الشافعية ، 
والأبهري  من المالكية من جوازها للعطش خلاف الصواب ، وما ذكره 
 nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين  والأبهري  من أنها تنفع في العطش خلاف الصواب أيضا ، والعلم عند الله تعالى . 
ومن 
مر ببستان لغيره فيه ثمار وزرع ، أو بماشية فيها لبن ، فإن كان مضطرا اضطرارا يبيح الميتة فله الأكل بقدر ما يرد جوعه إجماعا ، ولا يجوز له حمل شيء منه ، وإن كان غير مضطر فقد اختلف العلماء في جواز أكله منه . 
فقيل : له أن يأكل في بطنه من غير أن يحمل منه شيئا ، وقيل ليس له ذلك ، وقيل بالفرق بين المحوط عليه فيمنع ، وبين غيره فيجوز ، وحجة من قال بالمنع مطلقا ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من عموم قوله : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007089إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا   " وعموم قوله تعالى : ( 
لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم   ) [ 4 \ 29 ] ونحو ذلك من الأدلة . 
وحجة من قال بالإباحة مطلقا ما أخرجه 
أبو داود  عن 
الحسن  ، عن 
سمرة  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007090إذا أتى أحدكم على ماشية ، فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه ، فإن أذن فليحتلب وليشرب ، وإن لم يكن فيها فليصوت ثلاثا ، فإن أجاب فليستأذنه ، فإن أذن له وإلا فليحتلب وليشرب ، ولا يحمل   " ا ه . 
وما رواه 
الترمذي  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=14681يحيى بن سليم  ، عن 
عبيد الله  ، عن 
نافع  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر  ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007091من دخل حائطا فليأكل ، ولا يتخذ خبنة   " قال : هذا حديث غريب ، لا نعرفه إلا من حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=14681يحيى بن سليم    . وما رواه 
الترمذي  أيضا من حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب  ، عن أبيه ، عن جده 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007092أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الثمر المعلق فقال : " من أصاب منه من ذي   [ ص: 72 ] حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه   " قال فيه : حديث حسن . 
وما روي عن 
عمر    - رضي الله عنه - أنه قال : " إذا مر أحدكم بحائط فليأكل منه ، ولا يتخذ ثبانا   " . 
قال 
أبو عبيد    : قال 
أبو عمرو    : هو يحمل الوعاء الذي يحمل فيه الشيء ، فإن حملته بين يديك فهو ثبان ، يقال : قد تثبنت ثبانا ، فإن حملته على ظهرك فهو الحال ، يقال : منه قد تحولت كسائي ، إذا جعلت فيه شيئا ثم حملته على ظهرك ، فإن جعلته في حضنك فهو خبنة ، ومنه حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب  المرفوع : " ولا يتخذ خبنة " يقال : فيه خبنت أخبن خبنا ، قاله 
القرطبي    . 
وما روي عن 
أبي زينب التيمي  ، قال : سافرت مع 
 nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=77وعبد الرحمن بن سمرة  ، 
وأبي بردة  ، فكانوا يمرون بالثمار ، فيأكلون بأفواههم ، نقله صاحب " المغني " ، وحمل أهل القول الأول هذه الأحاديث والآثار على حال الضرورة ، ويؤيده ما أخرجه
 nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه  بإسناد صحيح 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007093عن عباد بن شرحبيل اليشكري الغبري    - رضي الله عنه - قال : أصابتنا عاما مخمصة فأتيت المدينة ، فأتيت حائطا من حيطانها ، فأخذت سنبلا ففركته وأكلته ، وجعلته في كسائي ، فجاء صاحب الحائط فضربني ، وأخذ ثوبي ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته فقال : " ما أطعمته إذ كان جائعا أو ساغبا ولا علمته إذ كان جاهلا " ، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - فرد إليه ثوبه ، وأمر له بوسق من طعام ، أو نصف وسق ، فإن في هذا الحديث الدلالة على أن نفي القطع والأدب إنما هو من أجل المخمصة . 
وقال 
القرطبي  في " تفسيره " عقب نقله لما قدمنا عن 
عمر    - رضي الله عنه - قال 
أبو عبيد    : وإنما يوجه هذا الحديث أنه رخص فيه للجائع المضطر ، الذي لا شيء معه يشتري به ، ألا يحمل إلا ما كان في بطنه قدر قوته ، ثم قال : قلت : لأن الأصل المتفق عليه 
تحريم مال الغير إلا بطيب نفس منه   . 
فإن كانت هناك عادة بعمل ذلك كما كان في أول الإسلام أو كما هو الآن في بعض البلدان فذلك جائز . ويحمل ذلك على أوقات المجاعة والضرورة ، كما تقدم ، والله أعلم . ا ه منه . 
وحجة من قال بالفرق بين المحوط وبين غيره ، أن إحرازه بالحائط دليل على شح   
[ ص: 73 ] صاحبه به وعدم مسامحته فيه ، وقول 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : إن كان عليها حائط فهو حرام فلا تأكل ، وإن لم يكن عليها حائط فلا بأس ، نقله صاحب " المغني " وغيره ، وما ذكره بعض أهل العلم من الفرق بين مال المسلم فيجوز عند الضرورة ، وبين مال الكتابي ( الذمي ) فلا يجوز بحال غير ظاهر . 
ويجب حمل حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=143العرباض بن سارية  عند 
أبي داود الوارد  في المنع من دخول بيوت 
أهل الكتاب  ، ومنع الأكل من ثمارهم إلا بإذن على عدم الضرورة الملجئة إلى أكل الميتة ، والعلم عند الله تعالى .