صفحة جزء
المسألة السابعة : اعلم أن هذا القتل ظلما ، الذي جعل الله بسببه هذا السلطان والنصر المذكورين في هذه الآية الكريمة ، التي هي قوله تعالى : ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا الآية [ 17 \ 33 ] ، يثبت بواحد من ثلاثة أشياء : اثنان منها متفق عليهما ، وواحد مختلف فيه .

أما الاثنان المتفق على ثبوته بهما : فهما الإقرار بالقتل ، والبينة الشاهدة عليه .

وأما الثالث المختلف فيه : فهو أيمان القسامة مع وجود اللوث ، وهذه أدلة ذلك كله .

أما الإقرار بالقتل : فقد دلت أدلة على لزوم السلطان المذكور في الآية الكريمة به . قال البخاري في صحيحه : " باب إذا أقر بالقتل مرة قتل به " حدثني إسحاق ، أخبرنا حبان ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، حدثنا أنس بن مالك : أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين ، فقيل لها : من فعل بك هذا ؟ أفلان ؟ أفلان ؟ حتى سمي اليهودي . فأومأت برأسها ، فجيء باليهودي فاعترف ، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرض رأسه بالحجارة ، وقد قال همام : بحجرين .

وقد قال البخاري أيضا : ( باب سؤال القاتل حتى يقر ) ، ثم ساق حديث أنس هذا ، وقال فيه : فلم يزل به حتى أقر فرض رأسه بالحجارة ، وهو دليل صحيح واضح على لزوم السلطان المذكور في الآية الكريمة بإقرار القاتل ، وحديث أنس هذا أخرجه أيضا مسلم ، وأصحاب السنن ، والإمام أحمد .

ومن الأدلة الدالة على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه : حدثنا عبيد الله بن معاذ [ ص: 128 ] العنبري ، حدثنا أبي ، حدثنا أبو يونس عن سماك بن حرب : أن علقمة بن وائل حدثه أن أباه حدثه ، قال : إني لقاعد مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة ، فقال : يا رسول الله ، هذا قتل أخي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أقتلته " ؟ فقال : إنه لو لم يعترف أقمت عليه البينة . قال : نعم قتلته . قال : " كيف قتلته ؟ " قال : كنت أنا وهو نختبط من شجرة ، فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " هل لك من شيء تؤديه عن نفسك " ؟ قال : ما لي مال إلا كسائي وفأسي . قال : " فترى قومك يشترونك " قال : أنا أهون على قومي من ذاك . فرمى إليه بنسعته ، وقال : " دونك صاحبك . . " الحديث . وفيه الدلالة الواضحة على ثبوت السلطان المذكور في الآية الكريمة بالإقرار .

ومن الأدلة على ذلك إجماع المسلمين عليه ، وسيأتي إن شاء الله إيضاح إلزام الإنسان ما أقر به على نفسه في سورة " القيامة " .

التالي السابق


الخدمات العلمية