صفحة جزء
مسألة

قال ابن خويز منداد من علماء المالكية : تضمنت هذه الآية الحكم بالقافة ; لأنه لما قال : ولا تقف ما ليس لك به علم [ 17 \ 36 ] دل على جواز ما لنا به علم ، فكل ما علمه الإنسان أو غلب على ظنه جاز أن يحكم به . وبهذا احتججنا على إثبات القرعة والخرص ; لأنه ضرب من غلبة الظن ، وقد يسمى علما اتساعا ، فالقائف يلحق الولد بأبيه من طريق الشبه بينهما ، كما يلحق الفقيه الفرع بالأصل عن طريق الشبه . وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل علي مسرورا تبرق أسارير وجهه ، فقال : " ألم تري أن مجززا المدلجي نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد عليهما قطيفة ، قد غطيا رءوسهما وبدت أقدامهما فقال : إن بعض هذه الأقدام لمن بعض " وفي حديث يونس بن يزيد : وكان مجزز قائفا . اهـ بواسطة نقل القرطبي في تفسيره .

قال مقيده عفا الله عنه : من المعلوم أن العلماء اختلفوا في اعتبار أقوال القافة ، فذهب بعضهم إلى عدم اعتبارها ، واحتج من قال بعدم اعتبارها بقصة الأنصارية التي لاعنت زوجها وجاءت بولد شبيه جدا بمن رميت به ولم يعتبر هذا الشبه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يحكم بأن الولد من زنى ولم يجلد المرأة .

قالوا : فلو كان الشبه تثبت به الأنساب لأثبت النبي صلى الله عليه وسلم به أن ذلك الولد من ذلك الرجل الذي رميت به ، فيلزم على ذلك إقامة الحد عليها ، والحكم بأن الولد ابن زنى ، ولم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من ذلك كما يأتي إيضاحه ( في سورة النور ) إن شاء الله تعالى .

وهذا القول بعدم اعتبار أقوال القافة مروي عن أبي حنيفة وإسحاق والثوري وأصحابهم .

وذهب جمهور أهل العلم إلى اعتبار أقوال القافة عند التنازع في الولد ، محتجين بما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم سر بقول مجزز بن الأعور المدلجي : إن بعض هذه الأقدام من بعض ، حتى برقت أسارير وجهه من السرور .

[ ص: 154 ] قالوا : وما كان صلى الله عليه وسلم ليسر بالباطل ولا يعجبه ، بل سروره بقول القائف دليل على أنه من الحق لا من الباطل ; لأن تقريره وحده كاف في مشروعية ما قرر عليه ، وأحرى من ذلك ما لو زاد السرور بالأمر على التقرير عليه ، وهو واضح كما ترى .

واعلم أن الذين قالوا باعتبار أقوال القافة اختلفوا ، فمنهم من قال : لا يقبل ذلك إلا في أولاد الإماء دون أولاد الحرائر . ومنهم من قال : يقبل ذلك في الجميع .

قال مقيده عفا الله عنه : التحقيق باعتبار ذلك في أولاد الحرائر والإماء ; لأن سرور النبي صلى الله عليه وسلم وقع في ولد حرة ، وصورة سبب النزول قطعية الدخول كما تقرر في الأصول ، وهو قول الجمهور وهو الحق ، خلافا للإمام مالك رحمه الله قائلا : إن صورة السبب ظنية الدخول ، وعقده صاحب مراقي السعود بقوله :


واجزم بإدخال ذوات السبب وارو عن الإمام ظنا تصب



التالي السابق


الخدمات العلمية