وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : 
إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا   [ 17 \ 36 ] فيه وجهان من التفسير : 
الأول : أن معنى الآية أن 
الإنسان يسأل يوم القيامة عن أفعال جوارحه ، فيقال له : لم سمعت ما لا يحل لك سماعه ؟ ولم نظرت إلى ما لا يحل لك النظر إليه ؟ ولم عزمت على ما لم يحل لك العزم عليه ؟ 
ويدل لهذا المعنى آيات من كتاب الله تعالى ; كقوله : 
ولتسألن عما كنتم تعملون   [ 16 \ 93 ] ، وقوله : 
فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون   [ 15 \ 92 - 93 ] ، ونحو ذلك من الآيات . 
والوجه الثاني : أن 
الجوارح هي التي تسأل عن أفعال صاحبها ، فتشهد عليه جوارحه بما فعل . 
قال 
القرطبي  في تفسيره : وهذا المعنى أبلغ في الحجة ; فإنه يقع تكذيبه من جوارحه ، وتلك غاية الخزي ، كما قال : 
اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون   [ 36 \ 65 ] ، وقوله : 
شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون   [ 41 \ 20 ] . 
قال مقيده عفا الله عنه : والقول الأول أظهر عندي ، وهو قول الجمهور . 
وفي الآية الكريمة نكتة نبه عليها في مواضع أخر ; لأن قوله تعالى : 
إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا   [ 17 \ 36 ] ، يفيد تعليل النهي في قوله : 
ولا تقف ما ليس لك به علم   [ 17 \ 36 ] بالسؤال عن الجوارح المذكورة ، لما تقرر في الأصول في مسلك الإيماء والتنبيه : أن " إن " المكسورة من حروف التعليل . وإيضاحه : أن المعنى : انته عما لا يحل لك ; لأن الله أنعم عليك بالسمع والبصر والعقل لتشكره ، وهو مختبرك بذلك وسائلك عنه ، فلا تستعمل نعمه في معصية . 
ويدل لهذا المعنى قوله تعالى : 
والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون  [ ص: 156 ]   [ 16 \ 78 ] ، ونحوها من الآيات . والإشارة في قوله تعالى في هذه الآية الكريمة بقوله : أولئك راجعة إلى 
السمع والبصر والفؤاد ، وهو دليل على الإشارة " أولئك " لغير العقلاء وهو الصحيح ، ومن شواهده في العربية قول الشاعر وهو 
العرجي    : 
يا ما أميلح غزلانا شدن لنا من هاؤليائكن الضال والسمر 
وقول جرير : 
ذم المنازل بعد منزلة اللوى     والعيش بعد أولئك الأيام 
خلافا لمن زعم أن بيت 
جرير  لا شاهد فيه ، وأن الرواية فيه " بعد أولئك الأقوام " والعلم عند الله تعالى .