قوله تعالى : 
ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا   . 
المراد بالعمى في هذه الآية الكريمة : عمى القلب لا عمى العين ، ويدل لهذا قوله تعالى :   
[ ص: 177 ] فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور   [ 22 \ 46 ] ; لأن عمى العين مع إبصار القلب لا يضر ، بخلاف العكس ; فإن أعمى العين يتذكر فتنفعه الذكرى ببصيرة قلبه ، قال تعالى : 
عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى   [ 80 \ 1 - 4 ] . 
إذا بصر القلب المروءة والتقى فإن عمى العينين ليس يضير 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  رضي الله عنهما لما عمي في آخر عمره كما روي عنه من وجوه ، كما ذكره 
 nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر  وغيره : 
إن يأخذ الله من عيني نورهما     ففي لساني وقلبي منهما نور 
قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل     وفي فمي صارم كالسيف مأثور 
وقوله في هذه الآية الكريمة : 
فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا   [ 17 \ 72 ] ، قال بعض أهل العلم : ليست الصيغة صيغة تفضيل ، بل المعنى فهو في الآخرة أعمى كذلك لا يهتدي إلى نفع ، وبهذا جزم 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري    . 
قال مقيده عفا الله عنه : الذي يتبادر إلى الذهن أن لفظة " أعمى " الثانية صيغة تفضيل ; أي هو أشد عمى في الآخرة . 
ويدل عليه قوله بعده : 
وأضل سبيلا   ; فإنها صيغة تفضيل بلا نزاع . والمقرر في علم العربية : أن صيغتي التعجب وصيغة التفضيل لا يأتيان من فعل ، الوصف منه على " أفعل " الذي أنثاه فعلاء ; كما أشار له في الخلاصة بقوله : 
وغير ذي وصف يضاهي أشهلا 
والظاهر أن ما وجد في كلام العرب مصوغا من صيغة تفضيل أو تعجب غير مستوف للشروط ، أنه يحفظ ولا يقاس عليه ; كما أشار له في الخلاصة بقوله : 
وبالندور احكم لغير ما ذكر     ولا تقس على الذي منه أثر 
ومن أمثلة ذلك قوله : 
ما في المعالي لكم ظل ولا ثمر     وفي المخازي لكم أشباح أشياخ 
أما الملوك فأنت اليوم ألأمهم     لؤما وأبيضهم سربال طباخ 
وقال بعض العلماء : إن قوله في هذا البيت " وأبيضهم سربال طباخ " ليس صيغة   
[ ص: 178 ] تفضيل ، بل المعنى أنت وحدك الأبيض سربال طباخ من بينهم .